جانب من مشهدية الازدحام الخانق التي عمّت بيروت والمناطق خلف طوابير البنزين (فضل عيتاني)
على قاعدة “القلّة بتولّد النقار”… بدأ أركان الأكثرية الحاكمة يتناهشون بعضهم البعض ويتقاذفون كرة الانهيار الملتهبة، ليسود التخبط والتناطح على أكثر من جبهة أمس مع بلوغ الأزمة المعيشية مستويات من التدهور غير مسبوقة طغت فيها حالة من العتمة الشاملة والشلل التام على مختلف نواحي الخريطة الوطنية. وفيما عقد في اليرزة اجتماع استثنائي لقادة الأجهزة الأمنية بحث الأوضاع، اتسعت امس رقعة الاحتجاجات وقطع الطرقات في كل أنحاء لبنان مترافقة مع حوادث متفرقة كان آخرها ليلا إشكال أثناء وجود نائب «حزب الله» حسين الحاج حسن في حسينية علي النهري واشتباكات في بعلبك.
ومن “صغيرها” إلى “كبيرها”، بدت “المنظومة” خلال الساعات الأخيرة مذعورة أكثر من أي وقت مضى تحت وطأة انفضاح وهنها وعجزها حتى عن الاستمرار في سياسة الترقيع وتنفيس الاحتقان في الشارع ووقف تساقط قطاعات الانتاج التي أطفأت محركاتها وبدأت تنهار كأحجار الدومينو في شتى المجالات الحياتية والاستشفائية والحيوية…
فمن وزير الاقتصاد راوول نعمة الذي خاطب نقابة الأفران إثر تبلغه بإغلاق عشرات المخابز أبوابها بالقول: ”ما خصني روحو شوفو وزارة الطاقة”، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي دفعته حالة الضياع والتفليسة إلى انتحال صفة رئيس الحكومة ودعوة مجلس الوزراء للانعقاد بـ”الاتفاق” مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الأمر الذي سرعان ما ردّ عليه دياب ببيان مقتضب صدّ فيه عون وجدّد التزام “موقفه المبدئي بعدم خرق الدستور وعدم دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع”.
وإذ برر رئيس الجمهورية دعوته بالاستناد إلى “الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور”، بدا رئيس الحكومة المستقيلة حازماً في التشديد على وجوب “التزام نص المادة 64 من الدستور التي تحصر صلاحيات الحكومة المستقيلة بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”، ونقلت مصادر قيادية في 8 آذار أنّ دياب تعرّض خلال الساعات الأخيرة إلى “جملة ضغوط لكنه بقي على موقفه رافضاً الامتثال لرغبة عون و”حزب الله” في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في سبيل بحث أزمة المحروقات” على خلفية قرار حاكم المصرف المركزي رياض سلامة رفع الدعم عن فتح الاعتمادات اللازمة لتمويل شراء الفيول من دون تشريع قانون في المجلس النيابي يتيح له المسّ بالاحتياطي الإلزامي من أموال المودعين بالعملة الصعبة.
وبينما سعى العهد وتياره بشكل مفضوح إلى استثمار قرار رفع الدعم شعبوياً ومحاولة التنصّل من تبعاته الرئاسية والسياسية، على أساس الادعاء بأنّ رئيس الجمهورية تفاجأ بهذا القرار ولم يكن على دراية مسبقة به، كسر سلامة حاجز الصمت مساءً فكّذب عون مؤكداً أنّ “جميع المسؤولين في لبنان كانوا يعلمون بقرار رفع الدعم، بدءاً من رئاسة الجمهورية مروراً بالحكومة وليس انتهاءً بمجلس الدفاع الأعلى”، وأضاف: “أبلغت الجميع بأنهم إن ارادوا الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي فعليهم إقرار قانون في مجلس النواب يسمح لنا بذلك”، منتقداً بعنف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ولفت رداً على الاتهامات التي طالته إلى أنّ “سبب استفحال الأزمة هو تعطيل تشكيل الحكومة منذ سنة”.
وفي سياق متصل، رأت مصادر واسعة الاطلاع أنّ الحملة الشعواء التي شنها عون وباسيل على سلامة خلال اليومين الماضيين كانت “حملة معدّة سلفاً وقد تعمّدا الإيحاء له بالمضي قدماً في تغطية قرار رفع الدعم عن المحروقات خلال اجتماع مجلس الدفاع الأعلى الذي عقد في قصر بعبدا في سبيل إيقاعه في الفخ”، كاشفةً أنّ رئيس الجمهورية كان قد فاتح رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في أحد اللقاءات معه في مسألة “محاسبة ومحاكمة حاكم المصرف المركزي” طالباً نيل موافقة ميقاتي على هذا الموضوع ضمن إطار التفاوض على المرحلة اللاحقة لتأليف الحكومة.