عبد الله بو حبيب
قال الرئيس الاميركي الأسبق باراك اوباما، في كتابه “A Promised Land”، إن نائبه الرئيس الحالي جو بايدن رأى في تقرير وزارة الدفاع (ربيع ٢٠٠٩) الذي يطلب زيادة عديد القوات الاميركية في افغانستان لتبلغ مائة الف عسكري، “محاولة اخرى من البنتاغون لاخذ البلاد بشكلٍ أعمق الى عملية “بناء الدولة” في افغانستان وهذه مسالة عقيمة ومكلفة للغاية، بينما ينبغي علينا التركيز بشكل ضيق على جهود مكافحة الارهاب”. عرف اركان وزارة الدفاع الحاليين بموقف جو بايدن المبدئي بالنسبة الى الوجود الاميركي في افغانستان، فوافقوا على الانسحاب الكامل برغم انهم كانوا يفضلون ابقاء القوة العسكرية التي كانت متمركزة هناك (حوالي ٢٥٠٠ ضابط وجندي) والتي وافق على وجودها الرئيس السابق دونالد ترامب. يعتقد بايدن ان ليس بإمكان أميركا بناء دولة حديثة ومتمكنة في افغانستان حتى لو بقيت قواته هناك لسنوات طويلة. صحيح ان عشرات الآلاف من الجنود الاميركيين ما زالوا يرابطون في كوريا الجنوبية لكنهم ساعدوا هناك في بناء دولة وما زالوا يواصلون حمايتها، الا ان الفرصة (الدولة) ليست متوفرة في افغانستان. اضف الى ذلك، ان افغانستان لا تهدد الامن القومي الاميركي وثمة اعتقاد سائد انها لن تسمح لتنظيم “القاعدة” بان يستعمل ارض أفغانستان مرة اخرى لشن هجوم على الولايات المتحدة او اي بلد غربي اخر. الأهم من ذلك ان افغانستان بعد انسحاب القوات الاميركية والأطلسية قد تصبح مشكلة لايران او باكستان او الهند او الصين وليس للولايات المتحدة. بكلام اخر، لم تعتبر ادارة بايدن ان لافغانستان قيمة استراتيجية في سياستها الاسيوية لذلك قررت ترك هذا البلد وشأنه، كما فعل قبلها البريطانيون في القرن التاسع عشر والإتحاد السوفياتي منذ ثلاثة عقود. مسار مفاوضات فيينا لغاية هذا التاريخ يشي بأن المآلات غير سهلة. ايران ترفض بحث أي مواضيع خارج ما تضمنه ذلك الاتفاق، كما انها تطلب ضمانة استمرار الاتفاق، ايًّا كان المقيم في البيت الابيض مستقبلًا، أي أن ايران ترفض اتفاقًا يمكن لرئيس لاحق التنصل منه كما فعل ترامب عام ٢٠١٨ لا ينطبق هذا الموقف على سياسة الولايات المتحدة الشرق اوسطية. فواشنطن باقية في سوريا لدعم حلفائها الاكراد وللمشاركة في اي حل لمشاكلها ولن تتخلى عن قواعدها الصغيرة المنتشرة في شرق سوريا. بات البنتاغون يعتبر ان الاكراد في سوريا والعراق حلفاء حقيقيون واوفياء ومقاتلون اشداء يمكن الاتكال عليهم في الحرب والسلم. لكن ذلك لم ولن يعني ان واشنطن تريد لحلفائها هؤلاء دولة مستقلة في ايّ من هذين البلدين. ما زالت واشنطن تحترم حدود ما بعد الحرب العالمية الاولى التي رسمها البريطانيون والفرنسيون معاً او بشكل منفصل. ستبقى واشنطن ايضاً في الخليج العربي، لكن ليس من أجل احتياجاتها النفطية، انما لمصلحتها الاستراتيجية باستمرار انظمة هذه المنطقة وتفادياً لخوض معارك مستقبلية مع قوى اقليمية او دولية منافسة تسعى للسيطرة على المنطقة الغنية جدًا بالنفط. هذا، من دون ان نغفل ان حلفائها، في الغرب والشرق من ايرلندا الى اليابان، بحاجة ماسة الى استمرار تدفق النفط من دول الخليج بحرية وامان. اما بالنسبة الى العلاقات الشخصية مع وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، فقد تستمر باردة ومن دون زيارات متبادلة، بسبب قتل الصحافي السعودي في “الواشنطن بوست” جمال خاشقجي، والحملة المستمرة من هذه الصحيفة الأميركية على وليّ العهد واعتباره “المسؤول المباشر عن قتله”. اما بقاء الولايات المتحدة في العراق، فبالإضافة الى الحاجة الى استمرار تدفق نفطه الى اسواق العالم، فإن واشنطن ترفض ان يصبح العراق دولة تدور في الفلك الايراني غداة انسحاب كامل قواتها منه، وهي تشجع الدول العربية ولا سيما الخليجية، على اقامة علاقات وثيقة مع العراق واعادته الى الساحة العربية ليلعب دورًا رئيسيًا في حل قضايا المنطقة السياسية والاقتصادية. فبعد ان انفقت الولايات المتحدة في العراق ما يزيد عن خمسة الاف مليار دولار منذ اجتياحه في شتاء عام ٢٠٠٣، لا تريد حالياً ان يصبح العراق دولة خاضعة للنفوذ الإيراني بالكامل. هكذا تبقى ايران هي المشكلة الرئيسية لواشنطن في المنطقة. الهدف الأول هو منع ايران بالطرق الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية من امتلاك قنبلة ذرية. الحوار غير المباشر الذي يجري حالياً بين ايران والولايات المتحدة في فيينا يتمحور حول العودة الى اتفاق عام ٢٠١٥. إلا أن مسار المفاوضات لغاية هذا التاريخ يشي بأن المآلات غير سهلة. ايران ترفض بحث أي مواضيع خارج ما تضمنه ذلك الاتفاق، كما انها تطلب ضمانة استمرار الاتفاق، ايًّا كان المقيم في البيت الابيض مستقبلًا، أي أن ايران ترفض اتفاقًا يمكن لرئيس لاحق التنصل منه كما فعل دونالد ترامب عام ٢٠١٨. الضمانة الإيرانية المشتهاة تتطلب حصول بايدن على تأييد ستين شيخًا (من اصل ١٠٠) في مجلس الشيوخ وهو الرقم المطلوب عادة لاقرار أي اتفاق دولي، بينما لحزبه (الديموقراطي) حاليًا خمسين شيخًا فقط، ومنهم من يعارض اي اتفاق مع ايران. استطاع الرئيس اوباما عام ٢٠١٥ تثبيت الاتفاق مع ايران بقرار رئاسي عندما حصل على دعم ٤٣ شيخًا (المطلوب ٤٠)، وهو العدد المتوجب لمنع مجلس الشيوخ من مناقشته ورفضه. لكن هكذا اتفاق يبقى معرضًا لرفض رئيس لاحق وهذا ما فعله الرئيس ترامب. لهذه الأسباب وغيرها، تشترط ادارة بايدن إضافة موضوعي الصواريخ البالستية والنفوذ الايراني في المنطقة إلى جدول اعمال مفاوضات فيينا. هذان الموضوعان هما ذات اهمية كبيرة لمعظم اعضاء مجلس الشيوخ ومراكز التفكير والابحاث في واشنطن التي تتلقى معظم مواردها المالية من مصادر اللوبيات المؤيدة لاسرائيل ودول الخليج العربية. لبنان الذي يعاني من تدهور في كل قطاعاته، لا تريد واشنطن له أن يستمر بالانهيار، وبعكس الادارة الاميركية السابقة، تدعم واشنطن سرًا وعلنًا المبادرة الفرنسية، بالإضافة الى الاستمرار بدعم الجيش اللبناني وتوفير مقومات نجاحه في مهامه العديدة والصعبة رفضت حكومة الرئيس الايراني السابق حسن روحاني بحث هذين الموضوعين في اجتماعات فيينا وحتمًا سترفض ذلك حكومة الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي. لذلك، يتعثر مسار المفاوضات التي بدأت في اذار/مارس الماضي ومن الصعوبة بمكان ان تتوصل الى اتفاق جديد في المستقبل القريب وهذا يعني ان ايران مستمرة في تخصيب اليورانيوم، وفق الوجهة التي حددها البرلمان الإيراني بأغلبيته المحافظة، وهو الأمر الذي يزعج اسرائيل في وقت تشهد علاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة تحسنًا ملحوظًا. ارتاحت علاقة بايدن مع اسرائيل بعد تأليف حكومة ائتلافية برئاسة السياسي اليميني نفتالي بينيت وعادت العلاقة بين البلدين الى طبيعتها. وبرغم ان عددًا كبيرًا من اعضاء الحكومة الاسرائيلية يمثلون اليمين المتطرف، إلا أنها لن تقوم بإي اجراء يزعج الادارة الاميركية. بالمقابل، لن تقدم واشنطن على مبادرة سلام قد تهدد وحدة حكومة بينيت واستمراريتها. من ناحية اخرى، لقد اعاد بايدن علاقة اميركا مع السلطة الفلسطينية واستؤنفت المساعدات الاميركية اليها، كما اعادت الادارة الاميركية مساهمتها الى وكالة “الاونروا” الدولية المعنية بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. أخيرًا وليس أخرًا، لبنان الذي يعاني من تدهور في كل قطاعاته الاقتصادية والمالية والحكومية والادارية وحتى الاجتماعية، لا تريد واشنطن له أن يستمر بالانهيار، وبعكس الادارة الاميركية السابقة، تدعم واشنطن سرًا وعلنًا المبادرة الفرنسية، بالإضافة الى الاستمرار بدعم الجيش اللبناني وتوفير مقومات نجاحه في مهامه العديدة والصعبة. في الخلاصة، تحاول ادارة بايدن ان لا “توجع رأسها” في قضايا الشرق الأوسط “المزمنة والعاصية عن الحل”، بالعمل على استمرار الوضع الحالي غير المستقر، من دون أزمات كبيرة تعيدها الى رصد اهتمام وانخراط اقوى واكبر. ان انهيارًا كبيرًا في الوضع الحالي قد ينتج من خلال سعي ايران الى امتلاك سلاح نووي، مما يحمل واشنطن على إعطاء ضوء اصفر، وربما أخضر لإسرائيل لشن هجوم على إيران لا احد يعرف كيف يمكن أن يتطور وكيف يمكن أن ينتهي. لذلك، هناك مسؤولون في ادارة بايدن يشددون على العودة باي ثمن الى اتفاق عام ٢٠١٥ النووي. لكن معظم المسؤولين باتوا مقتنعين ان ليس بإمكانهم سياسيًا السير في هكذا اتجاه.. وللكلام صلة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع