هدى رؤوف -أندبندنت
يلقي مستقبل الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة بظلاله على كل شيء آخر، بالنظر إلى تداعياته على الاقتصاد الإيراني والعلاقات الخارجية، وبالنظر إلى السياق الداخلي المضطرب ومستقبل الاتفاق غير الواضح حتى الآن. وقد تورطت إيران في عدم الاستقرار الذي شهدته منطقة بحر العرب وخليج عُمان، وطاول سفناً تعبر الممر المائي ومنها سفينة “ميرسر ستريت” الإسرائيلية.
فاضطراب السياق الداخلي يتزامن مع تولي إبراهيم رئيسي الرئاسة خلفاً لحسن روحاني. فقد كان انتخابه في أجواء غير تنافسية، تتويجاً لتعزيز سيطرة المتشددين على كل مركز من مراكز السلطة، المنتخبة وغير المنتخبة. كما أن السياق الداخلي ما زال في حاجة إلى استقرار، فما زالت إيران تواجه أزمات لا تعد ولا تحصى، تتراوح ما بين الركود الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية والمظاهرات على خلفية الركود الاقتصادي والمعاناة والتهميش الذي يعانيه سكان من عرقيات غير فارسية، إضافة إلى تفشي جائحة كورونا. وفي الوقت نفسه، فإن خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو أحد السيناريوهات الواجب حسمها قريباً، لم يُختر بعد.
وفي ظل السياق الداخلي الداعي والدافع إلى خروج إيران من أزماتها الاقتصادية ورفع العقوبات، تورطت طهران في مغامرات بحرية مع إسرائيل ستتجلى تأثيراتها في التوقيت وبالتناسب الذي ستحدده الأخيرة. لكن ما يعني هنا هو تأثير ما حدث في مستقبل الاتفاق النووي. وبالفعل، كانت هذه المرة الأولى منذ انتهاء إدارة باراك أوباما التي اجتمعت فيها الأطراف الغربية والولايات المتحدة وإسرائيل على موقف واحد في شأن إيران. وهو تهديدها الأمن البحري وحركة الملاحة. لذا، لم ترد واشنطن إفلات فرصة الضغط على إيران بورقة إضافية، في ظل تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بأن المباحثات لن تستمر إلى ما لا نهاية. ودعا بلينكن الأمم المتحدة إلى محاسبة إيران على هجوم الطائرة من دون طيار في بحر العرب، محذراً أن من شأن عدم القيام بذلك أن يغذي شعور طهران بالإفلات من العقاب. وأكد أن واشنطن على ثقة من أن إيران شنت هذا الهجوم، وهو جزء من نمط من الهجمات والسلوك الاستفزازي. وقد خلص تحقيق عسكري أجرته القيادة المركزية الأميركية إلى أن طائرات مسيرة إيرانية هاجمت “ميرسر ستريت”، وأن مكونات الطائرات من دون طيار التي فحصها خبراء المتفجرات في البحرية الأميركية كانت متطابقة تقريباً مع النماذج الإيرانية التي عُثر عليها من قبل.
وربما للموقف الأميركي هذا قد تتخذ واشنطن من السلوك الإيراني البحري مبرراً لفرض عقوبات جديدة عليها، بل وتشجيع تحرك دولي جماعي من خلال الأمم المتحدة. ولا يفوت هنا أن عقوبات الأمم المتحدة من العقوبات التي رُفعت في أعقاب الاتفاق النووي عام 2015.
يأتي الضغط الأميركي بعدما أرسلت إيران رسائل متضاربة ومختلطة تتراوح بين البراغماتية والتشدد في ما يخص التفاوض بشأن الاتفاق النووي. ففي حين أكد رئيسي خلال مراسم تنصيبه لمندوب الاتحاد الأوروبي، نية إيران مواصلة التفاوض. وأكد رئيسي أيضاً أن أزمات المنطقة يجب حلها من خلال حوار حقيقي داخل المنطقة وعلى أساس ضمان حقوق الدول، وأنه يمد يد الصداقة والأخوة إلى جميع دول المنطقة، خصوصاً الجيران. وأكد فتوى المرشد الإيراني بأن الأسلحة النووية لا مكان لها في الاستراتيجية الدفاعية لإيران، مكرراً أنه يجب رفع العقوبات عن إيران.
هذا خطاب يوحي برغبة في إحياء الاتفاق النووي، لكنه لا يستبعد خطاب التشدد، الذي تجلى في إشادة رئيسي بالديمقراطية الدينية التي يجب أن تكمل أهدافها. كما برزت مؤشرات التشدد التي ترسلها إيران من خلال تشكيل حكومة رئيسي التي يرتبط جزء منها بالحرس الثوري. فقد اختار رئيسي لوزارة الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وهو يمثل خط الدبلوماسية المتشددة. وقد شغل سابقاً منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، ومعروف بأنه من أشد المعارضين للغرب وله علاقات مع الحرس الثوري الإيراني.
ومن بين الأسماء التي اختارها رئيسي لحكومته، نائب وزير النفط السابق جواد عوجي وزيراً للنفط، ومحمد رضا اشتياني النائب السابق لرئيس أركان القوات المسلحة وزيراً للدفاع، وأحمد وحيدي وزيراً للداخلية، وهو من الشخصيات التي يبحث عنها الإنتربول في قضية تفجير المركز الثقافي اليهودي في الأرجنتين 1994. ومن الملاحظ أن الحكومة لم تضم امرأة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك أسباب تجعلنا لا نشكك في رغبة رئيسي في متابعة المفاوضات وإحياء الاتفاق النووي، وهي أسباب مرتبطة بالاقتصاد الإيراني وتداعيات جائحة كورونا ولا مبالاة المواطنين بشأن النظام السياسي والانتخابات الرئاسية، ومن ثم رغبة النظام في تحقيق شرعية وكسب رصيد لدى المواطنين، ولا سبيل إلى ذلك إلا الاتفاق النووي، ليس للاتفاق النووي في حد ذاته بل لتداعياته وما يوفره للنظام الإيراني.