مقاومة المقاومة: عن هوية حزب الله، هيمنته، ومستقبله

عمرو الكبّي -اللواء

يعي اللبنانيون والمجتمع الدولي جيداً أن حزب الله يهيمن بشكل مباشر وغير مباشر على مؤسسات الدولة اللبنانية كافة. فهو حجر الأساس في هيكلية المنظومة السياسية اللبنانية بشقيها الموالي والمعارض وفي بعض الأحيان الثوري ايضاً. فلا يمكن اسقاط المنظومة السياسية بسبب حماية حزب الله لها، ولا يمكن محاسبة الفاسدين إلا إذا سمح حزب الله بذلك، ولا يمكن السير في تحقيقات تفجير المرفأ إلا ضمن تأويلات حزب الله وأمينه العام. هو القوة العسكرية والامنية الأقوى في لبنان. يخوض معاركه الداخلية والخارجية كيفما شاء ومتى شاء. يقلب الأكثرية اقلية ويعين رؤساء الحكومة والجمهورية. اتقن ابعاد التركيبة الطائفية اللبنانية وأحسن اللعب بها وعليها. ولكن من هو حزب الله، ما هو مستقبله، وهل تجوز مقاومته اليوم؟
يشكل البحث في هوية حزب الله مادة مثيرة للجدل. فهل حزب الله لبناني، ام إيراني؟ معرفة مصدر شرعية حزب الله يجيب على هذا السؤال. فهوية المنظمات منبثقة من مصادر شرعيتها. بحسب نظرية المأسسة (Institutional Theory)، تسعى المنظمات لاكتساب مشروعية للحصول على الموارد. وعند تحديد الجهة التي تعطي مشروعية للمنظمات، يسهل تحديد هويتها ومعرفة طبيعتها. فالقول بان حزب الله لبناني، غير دقيق. لا يكتسب حزب الله مشروعيته من الشعب اللبناني، بل العكس. حزب الله قادر ان يحدد من هو العميل ومن هو الوطني، ويحرك مؤسسات الدولة اللبنانية انطلاقا من تصنيفاته. فهو يُحاسِب ولا يُحاسَب. بناءً لواقع اليوم، الشعب اللبناني يكتسب مشروعيته من حزب الله، ولذلك هو مهيمن على لبنان ارضاً وشعباً ومؤسسات. اما القول بأن حزب الله إيراني لأنه يستمد دعمه المالي والعسكري من إيران، فهو أيضاً غير دقيق. حزب الله لا يكتسب مشروعيته من الشعب الإيراني، بل من الحرس الثوري المهيمن على إيران والتابع للولي الفقيه الغير منتخب من الشعب الإيراني.
حزب الله منظمة ثورية عقائدية عسكرية عابرة للحدود، مهيمنة على إيران ولبنان وبعض دول المنطقة، وتسعى دائماً لتوسيع نفوذها. مثلها كمثل شركات الفرانشايز. نموذج واحد مطبق في عدة بلدان. فسلسلة مطاعم ماكدونالدز في لبنان يملكها لبناني وموظفيها لبنانيين، ولكن هل يجعل ذلك من ماكدونالدز شركة لبنانية؟ بالطبع لا. كما انها ليست أمريكية أيضاً. يمكن لأي شركة من أي بلد آخر ان تستحوذ على ماكدونالدز وتنقل ادارتها لأي بلد لأسباب ضرائبية. المشروعية في حالة ماكدونالدز هي لرأس المال ومالكيه. المشروعية في حالة حزب الله للحرس الثوري والولي الفقيه. عناصر الحزب وقيادته لبنانية، ولكن لا يأخذ الحزب مشروعيته من الشعب اللبناني ولا حتى الشيعة منهم.
قدم حزب الله نفسه لجمهوره كحركة مقاومة وتحرير حتى أطلق على نفسه تسمية «المقاومة». من الناحية اللغوية، المقاومة فعل مشتق من فعل «قاوم.» فالمقاومة مرتبطة بالفعل لذلك يمكن الادعاء بأن حزب الله قاوم في الماضي لتحرير الارض. ولكن من ناحية أخرى، يمكن القول بان تحرير الأرض لم يترافق معه تحرير الانسان. فلحزب الله مطلق القرار بتحديد المناطق العسكرية وأماكن إطلاق الصواريخ وتحديد من يدخل من الاهالي مزرعته وارضه. لذلك يجوز توصيف حروب حزب الله بصراع مع إسرائيل للهيمنة على لبنان. وقد أحسن حزب الله بتموضعه تحت عنوان «المقاومة»، انما الاحداث الأخيرة في خلدة وشويا ومسيرته منذ ٢٠٠٦ تسقط عنه صفة المقاوم.
أخذ حزب الله اللبنانيين وخصوصاً الشيعة رهينة لابتزاز المجتمع الدولي. فنظرية تمثيل حزب الله للشيعة مشكوك بصحتها. الانتخابات تحت ظروف الترغيب والترهيب التي يمارسها الحزب تجعل التشكيك بصحة التمثيل امراً طبيعياً، تماما كما يشكك بانتخابات نظام صدام حسين، ونظام الأسد، ونظام ولاية الفقيه ونظام كوريا الشمالية. ففي العراق، قام سبعة ملايين مواطن بمظاهرة تأييد لصدام حسين أيام قبل سقوطه، ليقوموا هم نفسهم بتكسير تماثيله فور اسقاطه. اما حزب الله فينعم على مؤيديه بالمال والنفوذ وإن قتلوا نفساً بغير حق، ويرهب معارضيه وإن كان سلاحهم القلم والكلمة. كما يروج اشاعت لإخافة اللبنانيين الشيعة من سائر شرائح المجتمع اللبناني، ويصور لهم مستقبلاً اسوداً في حال تسليمه لسلاحه.
من هنا، علمنا التاريخ ان عقارب الساعة لا تعود الى الوراء. ومصير التنظيمات المشابهة لحزب الله كان ومازال الفناء. فمن حيث العقيدة، حزب الله اسير التاريخ القديم والحديث، ولا يمكنه تقديم أي حل لمشاكل المواطنين في عصر الحداثة والعولمة الرقمية. الدول التي يهيمن عليها تعاني الفقر والجريمة وغياب الخدمات وإن كانت دولاً غنية بمواردها الطبيعية. أما من الناحية العسكرية، أسلوب قتال حزب الله فقد فعاليته بعد دخول المسيرات بشكل واسع ارض المعارك. لم يعد قادراً نموذج المقاتل الشجاع المجاهد والشهيد الحي على التصدي للمسيرات الحديثة. وقد برهنت معارك وحروب حصلت مؤخرا قدرة هذه المسيرات على تحييد أشجع المقاتلين وفي طبيعة جبلية وعرة. أضف لذلك ان مخزون حزب الله من الصواريخ أصبح عبئاً عليه. فقد علم عدوه بمكان تخزينه للصواريخ المتفجرة وهو لن يتوانى عن استهدافها وجعل الكثير من الأماكن السكنية مدمرة كلياً. وسوف يحمل العدو الحزب مسؤولية ذلك على مبدأ اخذ المواطنين كدروع بشرية وتخزين مواد متفجرة بين مدنيين. قيادة حزب الله على دراية وعلم باستحالة استدامة نموذجها، ولكنها تسعى لكسب الوقت قبل الانهيار الكبير.
تصاعدت الأصوات مؤخرا التي تدعوا لمقاومة حزب الله واصفة إياه بقوة احتلال للبنان. فأكثر المواطنين يشعرون بأنهم ليسوا أحرارا في وطنهم، وان مصيرهم متعلق بقرار يأخذه أحدهم من مخبئه. كما لا يخفى على أحد ان الانهيار الذي يمر به لبنان هو نتيجة سياسات وقرارات حزب الله والطبقة السياسية، وانه لا امل لأي خروج من الازمة ببقاء حزب الله وسلاحه. من هنا أي دعوة لمقاومة هيمنة حزب الله، دعوة شرعية واخلاقية. فمن حق المواطنين أن يعيشوا بحرية وسلام وكرامة. ولكن حذار أي دعوة للعنف ضد هذا الاحتلال. فالعنف سيعزز من نفوذ الحزب في لبنان. المقاومة الفعالة هي المقاومة اللاعنفية، حيث يرفع المواطنون الصوت بوجه الحزب في كافة المناطق اللبنانية رافضين لهيمنته على لبنان. نرفع الصوت حتى يسمعنا المجتمع الدولي والعربي، ويعلم ان في لبنان مقاومين احرار رافضين للخضوع والابتزاز. كما يجب على الرافضين لهيمنة حزب الله الفصل بينه وبين اللبنانيين الشيعة. فمصير اللبنانيين كل اللبنانيين مرتبط ومتداخل. كما ان الجميع اليوم خاضع لهيمنة الحزب لكن بدرجات متفاوتة. حزب الله ليس الشيعة واللبنانيين الشيعة هم الاهل والاقارب، والجيران، والأصدقاء، والزملاء. لا يمكن بناء مستقبل لبنان إلا معهم.
بدأ سلاح حزب الله غير شرعي، ولكنه كان اخلاقياً وحظي بتأييد شعبي. بعد عام ٢٠٠٦ بقي سلاح حزب الله غير شرعي، ولكنه سقط اخلاقياً بينما حافظ على بعض التأييد الشعبي. اليوم أصبح سلاح حزب الله غير شرعي، غير اخلاقي، وغير شعبي. سيسقط هذا السلاح لا محالة، وسيتحرر لبنان منه. فهو راعي المنظومة السياسية الفاسدة والممانع الاول للإصلاح والتغيير والعقبة امام خروج لبنان من أزمته. أي مطلب آخر غير تسليم سلاح حزب الله اليوم ثانوي وإضاعة للوقت واستمرار للأزمة. لذلك علينا مقاومة هيمنة حزب الله وان تكون مقاومتنا لاعنفية ولاطائفية.
* باحث ومحاضر في جامعة مكماستر، كندا


 

Exit mobile version