خاص النشرة

شيئًا فشيئًا، يتراجع منسوب “التفاؤل” الذي ساد الساحة السياسية يوم تكليف ​نجيب ميقاتي​ ​تشكيل الحكومة​ خلفًا ل​سعد الحريري​، وما تمخّض عنه من “إيجابية” ترجمِت في الميدان، مع تراجع “نسبيّ” لسعر الدولار أمام العملة الوطنيّة، وانخفاض “نسبيّ” أيضًا في حلقات “الجنون” التي شهدتها البلاد خلال الأسابيع الماضية، على طريقة “الطوابير المتنقّلة”.

لعلّ ما يدعو إلى “التشاؤم” أنّ كلّ هذه “المكتسبات” التي حقّقتها تسمية ميقاتي تلقائيًا، باتت “في خبر كان”، فسعر الدولار عاد ليرتفع واقترب من معدّلاته السابقة، وسط مخاوف من أرقام قياسيّة جديدة سيسجّلها في حال حصول أيّ “انتكاسة” يخشى البعض أن تكون أصبحت قريبة جدًا، وقد لا تتجاوز نهاية الأسبوع الحالي، وفق بعض التقديرات.

أما “جنون الطوابير”، فيبدو واضحًا أنّه عاد، مع حيّز لافِت من الإثارة المضاعَفة، على وقع الحديث المكثّف عن رفع الدعم عن ​المحروقات​ وغيرها.

تُرجِم ذلك في اليومين الماضيين في “طوابير” متسلسلة، في محطات البنزين بعد انكفاء قسري، وفي الصيدليات حيث لا تزال ​الأدوية​ الملحّة مقطوعة، وفي المخابز حيث باتت “لقمة الفقراء”، أو ربما “الأغنياء”، مهدَّدة، وفي محال تعبئة الغاز التي انضمّت إلى القائمة، التي يبدو أنّها ستبقى مفتوحة، لاستقطاب المزيد من القطاعات الحيويّة.

تتزامن هذه المشاهد مع “التبشير” بسلسلة “كوارث” يبدو أنّها اختارت “الاستيطان” في هذا البلد، في ظلّ الظلام الدامس الذي تغرق به البلاد، على وقع نفاد مادة المازوت، وإطفاء ​المولدات الخاصة​، وسط مخاوف على الكثير من القطاعات الحيوية، من ​المستشفيات​ إلى المطاعم والفنادق، مرورًا بخدمات الاتصالات والإنترنت وغيرها.

وإذا كانت كلّ هذه “المصائب” أعجز من أن تقنع رئيس حكومة تصريف الأعمال ​حسان دياب​ بوجوب العودة عن “إضرابه”، ولو من باب أنّ “الضرورات تبيح المحظورات”، فإنّها بالحدّ الأدنى يفترض أن تشكّل “جرس إنذار” للمعنيّين بتأليف الحكومة، للإسراع بإنجاز المهمّة، بعيدًا عن الصراعات “الدونكيشوتية” على الحصص والمغانم وما لفّ لفّها.

لكنّ الواقع يبدو، مرّة أخرى، مغايرًا تمامًا، إذ إنّ كلّ الأجواء والتسريبات في اليومين الماضيين، توحي بأن “الاندفاعة” الحكوميّة “تفرملت” بشكل كامل، وأنّ بعضا من “السلبيّة” هي الطاغية.

ومع أنّ الرجلَين سارعا لنفي بعض ما أثير من تسريبات، عن لقاءاتٍ “خفيّة” تحصل خلف الكواليس، وعن “طبخة” حكوميّة لم تنضج بعد، وعن شروط “تعجيزيّة” جديدة تُطرَح، من بينها “الطمع” بنصف الحكومة لا ثلثها فقط، فإنّ أحدًا منهما لا يستطيع أن ينكر وقوع “الصدام” بينهما، بل ربما وصول الأمور إلى ما يشبه “الحائط المسدود”.

إزاء ما تقدّم، ثمّة من يعتقد أنّ العدّ العكسي لاعتذار رئيس الحكومة المكلَّف قد بدأ، خصوصًا أنّ “المهلة” التي قيّد نفسه بها، ولو لم يُعلن عنها جهارًا، أوشكت على الانتهاء، وهو يرفض البقاء في موقعه لوقتٍ “مستقطع” إضافيّ، منتظرًا “فرجًا” قد لا يأتي أبدًا، فيتحوّل إلى “متهَم” بالتقاعس والتقصير، كما حصل مع الحريري قبله.

صحيح أنّ المحسوبين على ميقاتي والمقرّبين منه ينفون وجود أيّ قرارٍ متّخَذ بالاعتذار حتى الآن، ويصرّون على أنّ الرجل لا يزال يقارب الأمور بإيجابية، وهو يريد استنفاد الفرصة المتوافرة حتى النهاية، إلا أنّهم يؤكّدون في الوقت نفسه أنّ الأسبوع الحالي ينبغي أن يكون “حاسِمًا” على هذا الصعيد، إيجابًا أو سلبًا.

يقول هؤلاء إنّ وضع البلاد لا يحتمل المزيد من المراوحة أو المماطلة، وإنّ المطلوب إحداث “الخرق” المُنتظَر في أقرب وقت ممكن، ويعتقدون أنّ “مقوّمات” هذا الخرق واضحة ولا تحتمل اللبس، وبنتيجة إما يتصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا، فتولد الحكومة، وإما يكون الاعتذار الذي لن ينفع بعده الندم.

يرفض المحسوبون على ميقاتي القول إنّ الفرصة “استُنفِدت”، ويؤكدون أنّ الليونة والمرونة اللتين أبداهما الرجل لا تزالان حاضرتين، وأنّ كلّ السيناريوهات تبقى مفتوحة، لكنّهم يشدّدون على أنّ هذه الفرصة ليست “أبديّة”، خصوصًا أنّ السباق مع زمن “الانهيار” قد بدأ، وما “طوابير” الساعات الماضية سوى “جرس إنذار” له.

في النتيجة، قد يكون “العدّ العكسي” لاعتذار ميقاتي قد بدأ، وإن كان المحسوبون على الرجل يفضّلون “قلب” الخلاص، ليكون عدًّا عكسيًا لولادة الحكومة، لكن ما كلّ ما يتمنّاه المرء يدركه، ومثل هذه الأمنية تبدو أقرب إلى “الخيال”، طالما أنّ المسؤولين لا يزالون يسعون إلى حكومة “محاصصة”، وهم يدركون أنّ الوطن برمّته يكاد يضيع من بين أيديهم!.