عبدالسلام بن عيسي
في حوار صحافي أُجرِيَ معه مؤخرا، قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني: إنه لن يلتقي وزير الخارجية الإسرائيلي، إذ ليس ذلك مدرجا في برنامج الزيارة، مشيرا إلى أن (( قرار التطبيع مع إسرائيل مؤلم وصعب، لكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير))،.وأكد العثماني في نفس التصريح، أن (( اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء نقلة غير مسبوقة، قلبت الصراع في هذا الملف رأساً على عقب، وجعلته يتجه نحو أفق استراتيجي جديد)).
تصريحُ العثماني يعجُّ بالمتناقضات، إنه يحاول أن يستعير وينتحل فيه صفة الشجاع والمناضل والمقاوم حين يقول إنه لن يلتقي وزير الخارجية الإسرائيلي الذي يزور المغرب بتاريخ 11 من الشهر الجاري، محاولا أن يوهم الجمهور بأنه ضد الزيارة المذكورة، وللحقيقة والتاريخ، ورفعا لكل لبسٍ، لابد من التذكير، إن كان الأمر يحتاج إلى تذكير، بأن العثماني هو الذي وقَّع على صفقة التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني، مقابل الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء.
العثماني الذي وقَّع على التطبيع لماذا يتمنَّعُ عن لقاء وزير خارجية الدولة الصهيونية التي قبل التطبيع معها؟ أي معنى لتمنُّعه هذا؟ التوقيع على التطبيع اعترافٌ بالكيان الصهيوني دولة طبيعية في المنطقة، واللقاء مع مسؤوليها، يفترض أن يكون أمرا طبيعيا، من طرف العثماني الذي وقّع على هذا التطبيع، وانبرى يدافع عنه، ويهاجم منتقديه من قياديين في حزبه، ويصفهم بنعوت قدحية.
فعدم عقدِ لقاءٍ من طرف رئيس الحكومة المغربية مع وزير خارجية الدولة العبرية الموجود في زيارة للمغرب، لا يضفي على العثماني أي صفة بطولة أو شجاعة، إذ لا يملك المرء إلا أن يتساءل، كيف تلبَّست الأمين العام لحزب العدالة والتنمية خصلةُ شجاعة عدم الاجتماع بوزير خارجية الكيان الصهيوني، في حين غابت عنه هذه الخصلة، حين دُعيَ للتوقيع على صفقة التطبيع مقابل الاعتراف، التوقيع مع مساعد للابيد، الذي هو مائير بن شبات؟ الشجاعة إما أن تكون حاضرة وملازمة لصاحبها دائما، وإما أنها غائبة عنه في كل الأوقات.
أن لا يجتمع العثماني بلابيد، فهذا أمرٌ ثانوي، فلو كانت هناك حاجةَ ملحةً تستدعي لقاءهما، لما تردد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في الاستجابة لما هو مأمورٌ به، ولذلك فإن عدم لقاء العثماني بلابيد، لا يمكنه أن يقلل من الآثار السلبية المترتبة عن توقيعه على صفقة التطبيع مقابل الاعتراف. هذا التوقيع سيظل يلازم العثماني، طوال حياته، كخطوةٍ مخزية أقدم عليها في مشواره الحكومي..
إذا كانت زيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني تقتضي المقاطعة من طرف رئيس الحكومة، ولا يقبل عقد لقاء مع هذا الزائر غير المرغوب فيه للمغرب، فلماذا قبلت الحكومة، تحت رئاسة العثماني، بوقوع هذه الزيارة أصلا؟ وماذا فعل ثاني أعلى سلطة في البلد الذي هو رئيس الحكومة لمنعها، أو لتأجيلها على الأقل؟ ألم يكن بإمكان العثماني رفعُ الصوت والمطالبة بعدم قيام وزير خارجية إسرائيل بزيارة المغرب في هذه الظرفية، خصوصا والانتخابات ستجرى في بداية شتنبر المقبل، وقد تسفر النتائج عن فوز أحزاب غير حزب العدالة والتنمية، وخروجه بالتالي من الحكومة، على أن تتم الزيارة وهو في المعارضة؟
لماذا لا يبادر الحزب المذكور إلى أي شكلٍ من أشكال الممانعة للتعبير عن رأيه في زيارة لوزير خارجية إسرائيل، وهو يرأس الحكومة؟ ماذا يمكن للمغاربة انتظاره من حزبٍ لا يقوى على التعبير صراحة عن رأيه، وممارسة سيادته كحزبٍ إسلامي، له برنامجه السياسي الذي يفترض فيه أنه يرفض التطبيع مع إسرائيل، وأنه ملزمٌ بتبني هذا الرفض للتطبيع، والتمسك به أثناء تدبيره للشأن العام، ويعمل من أجل تفعيله في الممارسة الحكومية؟؟؟
لماذا يكتفي العدالة والتنمية بالتصرف سلبيا، أي عدم اللقاء مع وزير خارجية الكيان الصهيوني في المغرب، في حين كان الواجب الوطني، والقومي، والإسلامي، يفرض عليه أن يعمل إيجابيا، من موقع المسؤولية الحكومية، بما يؤدي إلى رفض هذه الزيارة ومنعها، أو على الأقل التشويش عليها، من خلال العمل من داخل الحكومة، بالسماح لمعارضي الزيارة بممارسة حقهم في التظاهر ضدها؟
كان يتعين على حزب العدالة والتنمية، إن كان معارضا للتطبيع حقا، أن يعمل داخل الجهاز الحكومي، لكي يحول دون منع القوات الأمنية، معارضي التطبيع، من تنظيم المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ضد زيارة لابيد للمغرب، وأن يُحرِّك، أطره، وقواعده، والمتعاطفين معه، للتظاهر، والاعتصام، احتجاجا على هذه الزيارة؟
لو أن حزب العدالة والتنمية بادر إلى ذلك، لكان من المؤكد أنه سيجد في الشارع الكثيرين من المغاربة، سواء من جماعة العدل والإحسان، أو قوى اليسار بكل أطيافه، أو النقابات، أو الجمعيات الأهلية، سيجدهم في الساحة، للتظاهر، والاعتصام، والاحتجاج، ضد الزيارة، وكان سيبدو حزبا إسلاميا منسجما في مواقفه، ويُفعِّلُ البرنامج السياسي الذي يرفعه شعارا له، وصوّت الناس لفائدته بسبب ذلك البرنامج الذي على رأسه رفض التطبيع ومقاومته، لكن الحزب لا يقوم بأي حركة في أي اتجاه، سواء في ملف التطبيع، أو باقي الملفات الأخرى، لقد بات قوة مكتوفة اليدين، ومشلولة الحركة تماما، رغم أنه هو الممسكٌ بمقود الحكومة..
يصعب على المرء أن يفهم قول العثماني: (( قرار التطبيع مع إسرائيل مؤلم وصعب، لكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير))، لا يوضح العثماني للرأي العام المغربي أين هي المصلحة الوطنية العليا في التطبيع، وكيف تتجلى؟ كما أنه لا يشرح للرأي العام المغربي كيف أن (( اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء نقلة غير مسبوقة، قلبت الصراع في هذا الملف رأساً على عقب، وجعلته يتجه نحو أفق استراتيجي جديد)).
العثماني يذِمُّ التطبيع ويقدح فيه ويعتبره قرارا مؤلما وتجرَّعه مكرها، ولكنه في نفس الوقت ينوِّهُ بما نتج عن التطبيع وأسفر عنه والذي هو الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، يبدو العثماني هنا متلبسا بالعمل بمقولة، الغاية تبرر الوسيلة. التطبيع رغم أنه فعل مقيت وغير أخلاقي، فلا بأس من اعتماده، إن كان يؤدي إلى قرار يستجيب لرغبتنا الأنانية، حتى لو تم ذلك على حساب غيرنا. إننا نرحب به، ونسمي الأمر مصلحة وطنية عليا.
إذا افترضنا في التطبيع، نظير الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، كما يقول رئيس الحكومة المغربية، مصلحة وطنية عليا، فإن التطبيع أمام هذه المصلحة الوطنية، لن يصبح صعبا ومؤلما. في عملية ترجيح كفة الإيجابي على السلبي، ينبغي لرئيس الحكومة المغربية تقبُّل التطبيع بترحاب، والدفاع عنه بحماس، ولقاء وزير خارجية الكيان الصهيوني، دون حرج ولا خجل، ويتعين على حزب العدالة والتنمية، لكي يكون منسجما مع نفسه، تغيير برنامجه السياسي، وحذف الفقرة الموجودة فيه التي ترفض التطبيع وتستنكره.
بصيغة أخرى، يجب على الحزب المذكور القبول بممارسة السياسة بمفهومها الانتهازي والنفعي، وأن يقول باي/ باي للقيم الإسلامية التي يتغنى بها، ويغازل بواسطتها مشاعر فئة عريضة من المغاربة. وحتى في هذه، فنحن أمام كلام عامٍّ وإنشائي ومتناقض، ولا يُحدِّدُ لنا فيه العثماني معانيه المجسدة في شكل قرارات إجرائية ملموسة، سيجنيها المغرب، وستَسْقُطُ ثمارا طازجة في فمه، جراء التطبيع مقابل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.
يعرف العثماني أن الشعب المغربي برمته يعارض الزجَّ بقضية وحدته الترابية، في بازار التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويعرف المكانة الخاصة التي للقضية الفلسطينية تاريخيا في وجدان الشعب المغربي الذي يعتبرها بمثابة قضيته الوطنية، لكن رئيس الحكومة المغربية لم يمتلك جرأة وشجاعة ترجمة الرأي الشعبي المغربي الجماعي في شكل قرارٍ سياسي يقول، لا للتطبيع، ويتحمل، نتيجة لذلك، المسؤولية الملقاة على عاتقه، حتى لو اقتضى الأمر الاستقالة من رئاسة الحكومة..
لقد قبِلَ العثماني التوقيع على الصفقة إياها، وبعد أن أدى المهمة التي كانت مطلوبةً منه، تمت إزاحته جانبا، عن هذا الملف، بشكلٍ نهائي، وها هو يجبي عواقب توقيعه، في شكل تصريحات ومواقف متضاربة، ومتخبطة، ولا معنى ولا مفاعيل لها، حتى أن الرجل صار يبدو، جراءها، في هيئة كاريكاتورية..
كاتب مغربي
المصدر: عبدالسلام بن عيسى