دارت الإشتباكات الصاروخية بين “حزب الله” وإسرائيل من دون أن تُسفر عن سقوط خسائر بشريّة بين الطرفين، ليتبيّن لاحقاً أن “المعركة” كان هدفها الأساس تثبيت “قواعد الإشتباك” بين الطرفين بحسب نظرة كلّ منهما لهذه “القواعد”، مع العلم أن اللبنانيين باتوا يعلمون تماماً كيف أن الإشتباكات هذه تبدأ بصواريخ “يتيمة” حيث تغيب أي جهة عن تبنّيها، وتنتهي ببيانات تُشير إلى انتهاء “العملية” وفقاً لألية ردع تستفيق بين حين وآخر على وقع “المناوشات” الإقليمية ضمن لعبة أصبحت تُعرف بإسم “تحسين الشروط”.
انتهى الإشتباك الصاروخي بين “حزب الله” وإسرائيل عند الحدّ الذي وصلت اليه الأمور وفقاً للقاعدة التي تحكم “اتفاق الهدنة” بينهما والتي تتحكم بالواقع الميداني تحت مبدأ “الأراضي المفتوحة”. لكن السؤال الأبرز، يتعلّق بكيفية انتهاء الإشكال المسلح الذي كان وقع بين “الحزب” وعناصر من عشائر عرب ـ خلدة، والذي أدى إلى سقوط أربعة عناصر للحزب خلال تشييع القيادي علي شبلي الذي سقط هو الآخر برصاص أحد أبناء العشائر في عملية أخذ ثأر. وإذا ما عُطف السؤال على كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حول “الغدر” و”المجزرة” ورئيس المجلس التنفيذي للحزب السيد هاشم صفي الدين الذي توعّد بالإقتصاص من “القتلى”، يُمكن الإستنتاج بأن الإشتباك مع عرب ـ خلدة تنطبق عليه عبارة “المعركة المفتوحة”.
قد يقول البعض، أن “حزب الله” يُمكن أن يكون نجح على حد قوله بتثبيت “المعادلة” بينه وبين إسرائيل، لكنه بالتأكيد فشل في تثبيتها بينه وبين خصومه في لبنان، خصوصاً بعد مشهد توقيف شاحنة الراجمات والإعتداء على عناصره، رفضاً من أهالي بلدة شويا، لاستخدام بلدتهم ضمن المعادلات الإقليمية والمحلية. لكن قراءة الحزب للذي حصل منذ اشتباك خلدة، وصولاً إلى القبض على الراجمة، تختلف شكلاً ومضموناً عما يصوّره البعض على أنه هزيمة ل”حزب الله”، وأن عليه من الأن وصاعداً، إعادة النظر في جميع “قواعد الإشتباك” القائمة مع هؤلاء الخصوم خصوصاً بعد سقوط ما يُسمّى بـ”الخطوط الحمر”.
مصادر مقربة من “حزب الله” ترى أنه لا بدّ من الفصل بين حادثتي خلدة وشويّا، ففي الأولى “هناك كمين مُحكم نُصب لموكب تشييع وكان القتل مُتعمّداً طبقاً لمُخطّط يهدف إلى جرّ البلد لحرب داخلية، تبدأ من خلدة لكن لا نعرف أين تنتهي. أمّا في الثانية، فهناك عناصر من “المقاومة” تعرضوا للإعتداء والتوقيف والإهانات أثناء عودتهم من عملية الردّ على الإستهدافات الإسرائيلية. لكن في الأولى والثانية، تعامل “الحزب” مع الأحداث من منطلق “الصبر والبصيرة” من أجل تفويت الفرصة على العدو الذي يسعى إلى إغراق “المقاومة” في حروب عبثية داخلية وبالتالي إلهائها عنه لما تُشكّله من عامل قلق وخوف بالنسبة له.”
هذا من وجهة نظر “الحزب”، لكن من وجهة نظر الخصوم، فيعتبر هؤلاء أن الوضع الإقتصادي والصحّي في لبنان، كان يطغى على الواقع المُهترئ الحاصل وأبرزه ما يقوم به “الحزب” من تجاوزات سياسية وعراقيل حكومية ودائماً من خلف الستارة. لكن في نهاية الأمر، أصبح المواطن اللبناني وبما فيهم مؤيدو “الحزب” يعتبرون أنفسهم بأنهم أصبحوا تحت الخطر الفعلي خصوصاً بعد “الوعود” التي عجز “حزب الله” عن تحقيقها لتغطية حاجات مُجتمعه على كافة المستويات.
من هنا، تُشير المصادر إلى أن ما حصل في خلدة وشويا، قد يؤسّس لمرحلة في غاية الخطورة، رأينا بدايتها من خلال حادثة طرد الشيخ الدرزي (بائع التين) من صيدا وردود الفعل الأخرى من خلال الإعتداءات على رُكّاب الفانات على طريق الجبل. لذلك فان السؤال اليوم يُوجّه إلى الحزب، المُتوقع منه أن يقوم بردّ فعل بحسب ما توعّدت قيادته، سواء على حادثة خلدة أو شويا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع