جاسم عجاقة-الديار
مشهد الفوضى يتوسّع ويصل إلى داخل منازل اللبنانيين… وداعًا لبنان الأخضر
القطاعات تنهار تباعًا والغضب الشعبي أصبح على قاب قوسين من الإنفجار
مشهد الإنهيار بدأ يطال كل شرائح المجتمع الغنية منها والفقيرة. وإذا كانت الأسر الميسورة (نسبتها لا تتعدّى الـ 9%) تواجه الأزمة في حال أفضل من الأسر الفقيرة، إلا أن فقدان السلع والخدمات بشكل كبير عن كل هذه الأسر أصبح مسألة وقت. ولا ينجو العمّال الأجانب من هذه الأزمة التي أصبحت تطالهم بشكل كبير حيث حذّرت «المنظمة الدولية للهجرة» من أن 120 ألف عامل أجنبي في لبنان أصبحوا بحاجة ماسة لمساعدات إنسانية! فأكثر من 50% من هؤلاء – مثلهم مثل أي مواطن لبناني – لم يعودوا قادرين على تأمين قوتهم اليومي، وهو ما يدفعهم إلى القيام بأعمال غير قانونية بحسب وصف المنظّمة.
المشكلة تكمن في أن الاقتصاد اللبناني هو إقتصاد يعتمد على الإقتصادات الأخرى لسدّ حاجاته الغذائية وغير الغذائية. والقطاعان الأوّلي والثانوي لا يكفيان السوق المحلّي إلا بنسبة قليلة حيث أن معظم هذا الإنتاج يذهب إلى التصدير (3.4 مليار دولار أميركي). هذا الأمر يفرض إمتلاك دولارات أميركية للقيام بعملية إستيراد للسلع والبضائع بهدف سدّ حاجة هذا السوق وهو ما لم يعد يمتلكه لبنان.
وإذا غضّينا النظر – لبضعة أسطر – عن الأسباب التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه، نجد أن هناك ممارسات مُخالفة لكل القوانين والأخلاق ساهمت بتفاقم الأزمة إلى درجة أنه يُمكن القول إن هذه الممارسات هي نتاج عمل مقصود ومخطط له – سواء كان إحتكاريًا بحتًا أو ذات خلفيات سياسية. وعلى رأس هذه الممارسات الإحتكار الذي يُمارسه التجّار والتهريب الذي تقوم به عصابات بالتضامن والتكافل مع أصحاب النفوذ.
مصرف لبنان ضخّ في شهر واحد أكثر من 800 مليون دولار أميركي لشراء المحروقات (وهو رقم يضاهي أكثر من ضعف حاجة السوق عادة)، وعلى الرغم من ذلك لم يتمّ حلّ مُشكلة المحروقات وهو ما يعني بكل بساطة إحتمال من ثلاث: إحتكار، تهريب أو أخذ الدولارات من دون جلب المحروقات. ويُمكن أن تكون الإحتمالات الثلاث مُجتمعة! كل هذا في ظل ضعف هائل من قبل أجهزة الدولة الرقابية والأمنية وكأن الأمر يُوحي أن هناك تواطؤاً على مستوى عالٍ! كذلك الأمر بالنسبة للأدوية والمواد الغذائية وكل ما يُستورد من سلع وبضائع للإستهلاك. والأصعب في الأمر أن كل هذه السلع والبضائع يُمكن شراؤها في السوق السوداء على سعر دولار السوق السوداء المنسوج على قياس قليلي الضمير والأخلاق وبغياب مشبوه – أو تنسيق متقن – من قبل الدولة.
القطاعات تتهاوى الواحدة تلو الأخرى والسبب نفسه عدم القدرة على شراء مواد أولية وبالتحديد المازوت الذي أصبح يُهدّد عمل العديد من القطاعات من أفران ومستشفيات وسوبرماركات وغيرها! وهنا يتوجّب الذكر أن سلفة مجلس النواب لإستيراد المازوت نفذت. والملفت في الأمر أن كل المعنيين في هذه القطاعات يُصرّحون علنًا أن المازوت مُتوافر لكن في السوق السوداء، وإذا ما تمّ شراؤه على سعر السوق السوداء فإن الأسعار لن تكون كما هي عليه.
منصة مصرف لبنان والتي يتمّ التداول عليها على سعر 16500 ليرة لبنانية للدولار الواحد حاليًا، لا تشهد الكثير من التداول عليها – مليون ونصف المليون دولار أميركي فقط بحسب مصرف لبنان – وهو ما يؤكد أن التجار يعمدون إلى شراء الدولار في السوق السوداء (فوق العشرين ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد) وذلك بهدف التهرّب الضريبي والتهريب!
رفع الدعم أصبح شبه واقع مهما حاولت السلطة القول أن لا رفع للدعم إلا بعد إقرار البطاقة التموينية، والسبب أن الحكومة ومصرف لبنان لم يعودوا يملكون دولارات والباقي هو دولار المودعين أو ما يُسّمى بالإحتياطي الإلزامي. وهنا تبرز المُشكلة القديمة – المُستجّدة أي مُشكلة تمويل البطاقة وتحديد المنتفعين منها.
إحتمالات السيناريو التشاؤمي ترتفع وأصبحنا نترقب الأسوأ الذي ينتظرنا خصوصًا مع بدء نفاذ كمية الغاز المنزلي مع ما للغاز من أهمية توازي الأكل بحدّ ذاته. وإذا كانت إمكانية البقاء في المنزل مُمكنة في حال عدم وجود بنزين، فكيّف يُمكن للعائلة أن تؤمن قوت يومها في غياب الغاز المُستخدم بنسبة 99% في المنازل اللبنانية! وهنا يُمكن القول أنه وفي حال إنقطاع الغاز فإن أشجار لبنان ستكون الهدف الأول للمواطن اللبناني ويُمكن القول معها وداعًا للبنان الأخضر! وهذا يعني التصحر اللبناني بكل ما للكلمة من معنى.
عمليًا، رفع الدعم وفشل البطاقة التموينية (المئة الدولار لن تكون كافية في ظل الواقع الحالي!) كل هذا سيؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وسيزيد الضغط على الدولار. فتنكة البنزين البالغ سعرها (ثمن البضاعة + الضرائب + ربح التجار) 13 دولارا أميركيا – أي ما يوازي 300 ألف ليرة لبنانية على السوق السوداء! كذلك الأمر بالنسبة للمازوت والغاز والسلع الغذائية وهنا نكون قد دخلنا في حلقة التضخمّ المفرط المضطرد الذي لن يخرج منه لبنان بسهولة بحكم أنه لا يوجد أي دولة في العالم إستطاعت الخروج من التضخّم المفرط (بإستثناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية).
ومن ناحية ثانية، فبعد ضرب صورة لبنان الاستشفائي بدءا من تهجير الممرضين إلى الأطباء، بدأت عملية القتل المتعمد لمن بقي من المرضى في لبنان، بدءاً بتخزين الأدوية كسلعة تجارية، وصولاً إلى توقف أحد أهم مصانع الأمصال في لبنان بعد عمل امتد من العام 1973 إلى أيامنا هذه.
إن أشد الناس تشاؤماً لم يكن ليتوقع السيناريو الأسود الراهن، وإن أكثر الناس عداءً للبنان لم يكن يحلم بأن يتم نحر هذا الوطن من قبل أبنائه بطمعهم وجشعهم.
الغضب الشعبي سينفجر في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة لا محالة، وللأسف الشديد هذا الغضب سيكون ضد الشعب ومنتشراً فيما بينهم لا ضد أسباب هذا الانهيار كما هو ظاهر إلى أيامنا هذه، وستكون النتيجة قطع الطرقات وعمليات السلب والسطو المسلح كما بدأت الأمور تتجلى في بعض الأحداث مؤخراً (وفاة عدة أشخاص في خلافات على محطات البنزين). من الواضح أن توقيف أو حل هذا الانهيار لم يعد يقتصر على الحل الداخلي فقط فلا بد من ردفه بسلطات خارجية قد يكون أبرزها ظهور سيف العقوبات من جديد على كل من سعى في إذلال الشعب اللبناني.