بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
لا تبالغ قوى المقاومة العربية والإسلامية في تقدير حجمها واستعراض قوتها، ولا تتباهى غطرسةً وتتبختر غروراً بقدراتها القتالية وإمكانياتها العسكرية، ولا تتظاهر بأسلحتها استقواءً على أحدٍ أو تطاولاً على فئةٍ، ولا تدعي أنها تتفوق على العدو قوةً وتسليحاً، وعديداً وعتاداً، وامتداداً وانتشاراً، وحركةً وانتقالاً، وإسناداً وإمداداً، أو أنها تملك جيوشاً نظامية وثكناتٍ عسكريةً، ودباباتٍ وطائراتٍ وقاذفاتٍ وقنابل مدمرة، ووسائل قتالية متطورة، كتلك التي يمتلكها العدو وحلفاؤه، بل تعترف بأن العدو أكثر سواداً وأعظم تسليحاً، لكنها تؤمن أنه كغثاء السيل عدداً، وكبيت العنكبوت ضعفاً.
إلا أن قوى المقاومة العربية والإسلامية، التي تحتفظ بأسرارها العسكرية وجاهزيتها القتالية، وتبقي يدها على الزناد دائماً بيقظةٍ وحذرٍ، تؤمن أنها بقدراتها ولو كانت بسيطة فإنها قوية، وهي بسلاحها المحدود قادرة على انتزاع النصر حيناً، أو إفشال العدو وإحباط مؤامراته وإسقاط مشاريعه في أحايين كثيرة، فهي لا تخاف العدو ولا تخشاه، بل تقتحم حصونه وتجتاح تحصيناته، وتوغل فيه وتثخن في صفوفه، ولكنها لا تكتفي بالقدرات المعنوية، والمعاني الروحية التي تستقوي بها وتتميز، وهي لا تركن إلى القدر دون عمل، ولا تتوكل على الله عز وجل وتتراخى، بل تؤمن بالله سبحانه وتعالى وتعتمد عليه، وتعمل جادةً على تطوير قدراتها، والاستفادة من إمكانياتها، واستغلال طاقات شعبها، وتسخير إبداعات مقاوميه العديدة في المعركة ضد العدو.
لما كانت قوى المقاومة تدرك حجم الآمال المعلقة عليها، وتعرف المهمة التي انبرت لها وتقدمت لأجلها، وتعلم يقيناً أن المهام التي تتصدى لها كبيرة وخطيرة، وأنها لا تستطيع مواجهتها دون إعدادٍ كافٍ وتجهيزٍ حقيقي، ولهذا فقد دأبت على تطوير قدراتها، وتحسين أدائها، وتدريب مقاوميها، وباتت تملك أسلحةً فتاكةً، وصواريخ بعيدة المدى تصل إلى كل الأهداف المرصودة داخل الكيان الصهيوني، وقد أصبحت صواريخها دقيقة الإصابة شديدة الأثر قوية التدمير، وغدا رجالها يمتلكون القدرة والكفاءة، ويحوزون على تنويهات الشجاعة والإقدام، وأوسمة التقدير والتنويه، ويبزون جنود العدو قدرةً وجرأةً، واقتحاماً وإيغالاً، وقد وصلوا بمميزاتهم القتالية، المادية والنفسية والمعنوية، إلى الدرجة التي يخيفون فيها العدو ويرعبون مستوطنيه.
وهي تدرك غاية العدو عندما يهول قوتها، ويصورها بأنها قوية وقادرة، وتمتلك أسلحةً فتاكةً، وصواريخ بعيدة المدى ودقيقة الإصابة، فهو يتطلع إلى ترهيب دول العالم منها، وتأليبها عليها وتجنيدها ضدها، وتحشيدها إلى جانبه في معركته معها، وتحريضها لمحاصرة قواها المختلفة الأسماء والمتعددة الجغرافيا، والتضييق عليها، بحجة أنها باتت خطراً على الأمن العالمي والسلم المجتمعي، إلا أنه في الحقيقة بات يخشى المقاومة حقاً، ويتهيب مواجهتها ويخشى الاشتباك معها.
فقد اشتد ساعدها، وقسا قوسها، وانبرى سهمها، وباتت قادرة على إيلامه وإيذائه، وأصبحت ذات قوةٍ وبأسٍ شديدٍ، وقد امتد قوسها من اليمن جنوباً إلى لبنان شمالاً، مروراً بالعرق وإيران وسوريا وفلسطين، الذين اتحدوا جميعاً في معركةٍ واحدةٍ ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وتعاهدوا على قتاله ومن حالفه واصطف معه، وأيده وسانده وعاونه، حتى تحرير فلسطين واستعادة الأرض وتطهير المقدسات.
لم تعد قوى المقاومة تخشى مواجهة العدو، بل باتت تستعجل المعركة معه، وتستهين به وتستخف بقوته، وتستلذ بمواجهته وتتفنن في قتاله، ليقينها أن زمن انتصار المقاومة قد أزف، فقد أظلنا زمن العزة والكرامة، وبتنا نعيش تباشير النصر وعلامات العودة والتحرير، وأن أوان زوال الكيان واستئصاله قد حل، والأمر لم يعد يحتاج لأكثر من معركةٍ جامعةٍ حامية الوطيس، يشتد أوارها وتضطرم نارها من صنعاء حتى القدس وغزة، إذ أن جنود التحرير وأسود المقاومة، قد أعدوا لهذا اليوم عدته، وتجهزوا له بنية النصر أو الشهادة.
تعلم قوى المقاومة العربية والإسلامية، أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب القوى الغربية وبعض الأنظمة العربية، قد أعلنوا الحرب الشاملة عليها، الاقتصادية والسياسية والإعلامية والعسكرية، بصورةٍ مباشرة أو عبر وكلاء وبالنيابة، وفتحوا معها معارك جانبية وثانوية، ليضعفوها ويشغلوها عن أهدافها الحقيقية وغاياتها الكبرى.
واستخدموا في حربهم عليها كل الوسائل القذرة والسبل الخبيثة والأدوات الوضيعة الرخيصة، فضيقوا على بلادهم وشعوبهم، وفرضوا عليهم حصاراً اقتصادياً وجوعاً عاماً، ولاحقوهم بالعقوبات والتهديدات، كي يردعوهم عن هدفهم الأساس وغايتهم الأصلية، فالكيان الصهيوني وحلفاؤه يعلمون أن هذه المعارك كلها ليست إلا تمهيداً لأم المعارك معهم، ولساعة الفصل ضدهم، فاستخدموا في حربهم على المقاومة بعض بني جلدتنا، ممن يتكلمون لغتنا ويدينون بديننا، لكنهم يوالون غيرنا، ويتخذون عدونا ولياً لهم وحليفاً معهم.
ولما كان العدو وحلفاؤه يدركون قوة المقاومة جيداً، ويعلمون يقيناً أن هزيمتها لم تعد ممكنة، وأن محاولة كسرها بالحرب العسكرية بات هدفاً بعيد المنال، فقد لجأوا إلى إضعاف الروح المعنوية للأمة، وكسر إرادتها النفسية، وذلك من خلال عمليات التطبيع السرية والعلنية، وسلسلة الزيارات المتبادلة، والمساهمات الرياضية والفنية والثقافية المشتركة، وفتحوا للعدو بعض البلاد العربية، يجوس فيها ويخرب، ويتآمر ضد أهلها وينهب، ويسرق خيراتها ويدمر بنيانها الاجتماعي ويفسد هياكلها الاقتصادية.
أعلن التحالف الصهيوني بكل أشكاله وجميع أطرافه ومختلف أدواته، دون خجلٍ أو ترددٍ، عن أن غايتهم عزل المقاومة وحصارها، وتجفيف منابعها وحصار قيادتها، وتجويع شعبها وإضعاف حاضنتها، واعتقال أبنائها والتضييق على جمهورها، ولكن قوى المقاومة التي أتقنت فنون التكامل وضروب التنسيق والتعاون، نجحت في الانقلاب على مخططاتهم، وتجاوزت مؤامراتهم، وباتت تتهيأ ليومٍ لم يعد بعيداً، فيه تشرق شمس الحرية على شامة بلادنا فلسطين، وزهرة مدائننا القدس، وفيحاء ديارنا المباركة، وعروس شامنا المقدسة فلسطين.
بيروت في 10/8/2021
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: د. مصطفى يوسف اللداوي