يترنّح مناخ تأليف الحكومة ما بينَ تفاؤل حذر ومخاوف من أن تصِل المداولات بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي إلى حائط مسدود. حتى الآن، يتقصّد الطرفان إشاعة أجواء إيجابية وودية، لكنها غير كافية لولادة سريعة. بينما تتوالد الأزمات الواحدة تلوَ الأخرى معيشياً واجتماعياً وأمنياً، وكل المؤشّرات تقود إلى اتجاه واحد… الانفجار القريب
رغم هذا الواقع المأسوي، لا تزال أجواء الغموض تُخيّم على مجريات عملية تأليف الحكومة، إذ تترنّح المساعي التي يُجريها الرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بينَ عِقد ليسَت مستعصية على المعالجة، لكن في الوقت ذاته لا إمكانية سريعة لتجاوزها، ما يُبقي الملف برمته في دائرة المراوحة. في العلن، يدفع عون كما ميقاتي نحو استعجال الولادة الحكومية. حتّى إن كلاً منهما يتقصّد الحديث عن الآخر بشكل إيجابي، وتأكيد أن مداولات التأليف تختلِف كلياً عن تلكَ التي حصلت مع الرئيس سعد الحريري. مصادر الطرفين تؤكّد الودّ الذي يتعامل به أحدهما مع الآخر، وأن «النواقص التي تمنع التأليف تحتاج إلى مزيد من الاتصالات والمشاورات»، مع الإصرار على أن العقبات «محصورة ببضع حقائب وزارية».
لكن مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الجارية، رأت أن «الجو المُعلن عنه يختلف كلياً عمّا هو خلفَ الكواليس». صحيح أن «اللقاءات التي تجمع عون بميقاتي سادتها أجواء غير متشنجة، وأن الاثنين يعتبران أن التفاهم مُيسّر»، إلا أن ذلك لا يمنع المصادر من التلميح بـ«عملية تصفية حسابات سياسية تستنفِد كل محاولة تسوية»، وسطَ تشكيك بأن يكون الرئيس عون وفريقه «يريدان فعلاً تأليف حكومة برئاسة ميقاتي».
وفيما لم يُعقد أي لقاء جديد بين عون وميقاتي في اليومين الماضيين، كشفت مصادر سياسية عن بعض المجريات التي حصلت. ومنها أن «الرئيس نبيه برّي أبلغَ ميقاتي أنه غير متمسّك بخليل للمالية، وقال له إن الموضوع عنده، لكن الأخير لم يطرح اسماً بديلاً». وكانَ لافتاً بحسب المصادر أن «برّي أيضاً أكد في ما بعد، خلال لقاء جمعه بميقاتي أمس بعيداً عن الإعلام، أنه لا يمانع إدخال تعديلات على أسماء الوزراء الشيعة المطروحين في حال كانت هناك ملاحظات من قبل رئيس الجمهورية عليها، لكن حينها أيضاً سيكون لنا أيضاً رأي في الأسماء المسيحية التي طرُحت».
النقطة الوحيدة المؤكدة هي أن «ميقاتي ليسَ في وارد الاعتذار حالياً، ولا يربط تكليفه بأي مدة زمنية، وهو مُصرّ على استكمال مساعيه، وخاصة أنه لم يلمس أي تعاطٍ سلبي من جانب عون». لكن ما يطمَح إليه هو «تأليف حكومة متجانسة تذهب الى العمل بدلاً من أن تذهب الى الخلافات على الملفات داخل الحكومة». وفي هذا الإطار، لفتت المصادر إلى أن «التركيز في النقاشات محصور في حقائب الاتصالات والطاقة والعدل والاقتصاد والمالية، وذلِك لأن الاستحقاقات تتطلّب اختيار أسماء لديها القدرة على الإمساك بالملفات، لجهة التفاوض مع صندوق النقد الدولي واستقرار سعر الصرف وتطبيق الخطط الموضوعة لقطاعات الكهرباء والصحة والاتصالات»، وهي «خطط لن تحقّق العجائب، لكنها ستضع البلاد على خط الإنقاذ خلال سنتين أو ثلاث».