اندريه قصاص -لبنان24
لا يمرّ يومٌ إلاّ ويطالعنا موقف دولي يحضّ المسؤولين اللبنانيين على الإسراع في تشكيل حكومة تكون قادرة على انتشال اللبنانيين من الغرق ومن الحال المزرية، التي وصلوا إليها نتيجة ممارسات خاطئة تجمّعت على مدى سنوات وأنفجرت دفعة واحدة في وجوههم وعلى مختلف الجبهات.
وآخر هذه المواقف ما أكده الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف ، في موقف أيدّ فيه الإسراع في تشكيل حكومة مهمة قادرة في لبنان برئاسة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وذلك من أجل التغلب على مشاكل البلاد الداخلية.
وبعيدًا عن التسريبات الإعلامية التي تستعجل التأليف، وإن لم تكن مبنية على معلومات دقيقة ومستقاة من مصادرها المعروفة، فإن الرئيس المكّلف الذي زار رئيس الجمهورية ست مرّات منذ تكليفه، يعمل وفق قناعات راسخة لديه، إنطلاقًا من حرصه على أن تأتي الحكومة بتوزيع حقائبها وأسمائها منسجمة، كفريق عمل واحد أمامه الكثير من المهمات التي تنتظره، وأن يكون التأليف سريعًا ولكن ليس بطريقة “مسلوقة”، لأن الأوضاع الدقيقة لا تسمح بأي دعسة ناقصة. فالإسراع مطلوب ولكن ليس بأي ثمن. وهذا هو المسعى القائم حاليًا بكثير من الحذر والدقة، ولكن من دون الإكثار من التفاؤل الذي يمكن أن يكون بعض الأحيان في غير مكانه الصحيح، لأن التعاطي مع المعطيات الظاهرة يتمّ على طريقة “ميزان الجوهرجي”.
صحيح أن أمر تأليف الحكومات ليس “إختراعًا للبارود”، كما سبق أن صرّح به الرئيس ميشال عون عشية تكليف الرئيس ميقاتي، في حال صفت النوايا ولم تدخل “شياطين التفاصيل” على خط المفاوضات، التي لا تزال حتى هذه اللحظة تسير بوتيرة تفاؤلية وإيجابية، وإن بحذر، على رغم توافر الإرادات الطيبة للوصول بالأمور إلى الخواتيم المبتغاة، ولكن الصحيح أيضًا وجوب ترك الرئيسين المعنيين بالتأليف مباشرة بموجب الدستور يعملان بهدوء وحكمة.
قد يكون السير بين النقاط هو السائد اليوم، لأن الهدف هو أكل عنب وليس قتل الناطور، وكل ما عدا ذلك يدخل في باب الإجتهادات الشخصية غير المستندة إلى حقائق ملموسة، وذلك على خلفية بعض التسريبات التي غالبًا ما يكون لها غايات مبيّتة وخفيّة، وتهدف إلى عرقلة المساعي التي تبذل وتطبخ على نار هادئة، وإلى وضع العصي في الدواليب لمرامٍ باتت مكشوفة.
فالأولويات كأهداف تبقى الأساس فيما تختلف الأساليب وفق ما تتطلبه كل مرحلة بمرحلتها. ومن بين هذه الأولويات التي يُعمل عليها، ضمان شبه إجماع وطني على شكل الحكومة ومهمتها في المرحلتين القريبة والمتوسطة المدى، تمامًا كما حصل شبه إجماع على التكليف، لتنصرف الحكومة العتيدة، في حال كان التأليف مسهّلًا، وفق بيانها الوزاري الذي سيركز، كما هو مفترض ومتوقع، على الخطوات الممكنة لتسيير شؤون الناس بعد فراغ طويل في السلطة التنفيذية الأصيلة، بإعتبار أن حكومة تصريف الأعمال بالكاد كانت تصرّف الأعمال بالمعنى الحصري للكلمة.
وفي ظنّ بعض المهتمين أن الملفات التي ستوضع على طاولة مجلس الوزراء ستكون كثيرة، وسيتطلب إنجازها العمل ليلًا ونهارًا، وبوتيرة متسارعة ومن دون إستمهال أو تأخير، وذلك تعويضًا عمّا خسره اللبنانيون على مدى سنتين متتاليتين.