الكاتب : د.علي رباح- باحث ومدرب في التنمية السياسية والإدارية.
تحمل الكثير من المناقشات الحادة بين اتجاهات مختلفة، منها معادٍ للنيوكولونيالية (الاستعمار الجديد) المتمثلة بالولايات المتحدة الاميركية، ومنها صديق لهذا الاستعمار او متحالفٍ معه على قاعدة التبعية المسحوقة، تحمل هذه المناقشات إذن، الغوطات كثيرة تفتقر الى الموضوعية والمنطق، ولكن أشدها وطأةً على حاملي الفكر التحرري في وجه الامبريالية، اشكالية ان الدول المعادية للولايات المتحدة الاميركية يعمها الخراب، والدول الصديقة لها تنعم بالرفاهية والازدهار ك”إسرائيل” والامارات العربية المتحدة والسعودية، وبعض المواجهين لهذه المقولة لا يسعفهم التفكير النقدي في الرد على ناقلي هذه الالغوطة، هؤلاء النقلة المتدربين جيداً على يد اساتذة يتقنون فن الاشكلة والتنمر من جماعات السفارات وال NGO’s، جيش الاحتلال الناعم، المستفاد منه حيث لا تستطيع قوات المارينز وحلفائها الدخول اولاً، فيعملون على تسطيح المعرفة وضرب التفكير وفتح ثغرات لاحتلال العقول في اسوء مشهد من مشاهد حروب الجيل الخامس.
وأكثر ما يركز هؤلاء على السعودية والامارات كدول مرفهة إعتباراً، وعليه أقول:
- إن هذه الالغوطة تفتقد المنطق، فهناك دول خارج السرب الاميركي وتنعم بالرفاهية والقوة، ويوجد دول ضمن هذا السرب وتعاني من الفقر أوالحروب، أو الاثنين معاً، والنوع الثاني هو الاكثر انتشاراً، وما على الباحث سوى وضع الخريطة السياسية للقارات امامه والتأكد.
- تشكل هاتان الدولتان امتداداً للنفوذ الاميركي وقواعد عسكرية وانتاجية واقتصادية وغيره، وتمثلان اداةً لسياسات العم سام، خصوصاً لجهة تنفيذ المهام القذرة (Black work)، بدءاً من التآمر على قضايا فلسطين، والعراق، ولبنان، وليبيا، واليمن، وكل الدول العربية، حيث دأبتا على معاداة ومحاربة اي حركة تحررية تطالب بالاستقلال الحقيقي وتقويض اي فرصة للنهوض وتحرير فلسطين، وما مشكلتهما مع ايران الا صدى للعداء الاميركي للجمهورية، بسبب مواقفها المؤيدة والداعمة والمساندة والمتبنية لفلسطين.
- تشكل هاتان الدولتان سوقاً استهلاكيةً مميزةً للانتاج الاميركي، الذي يبيعهما المواد الجاهزة مقابل اخذه للثروات والمواد الخام، وهو البترول في هذه الحالة، دون مقابل يُعتد به، يعني يشارك الاميركي العربان بنسبة غير عادلة في انتاج النفط، فيسطو على ثمانين بالمئة بشكلٍ شبه مجاني، ويبيع هؤلاء العربان منتجاته الجاهزة مقابل اعتمادات تُدفع من حصتهما، فيسطو على الحصة الاكبر ويشارك في الحصة الاصغر(مع الاشارة الى ان نسبة 80/20 هي رمزية فقد تكون اكثر)، ولو قُدِّر، مثلاً، لأهل الحجاز الاستفادة الحقة من ثرواتهم لكانت دولتهم الدولة العظمى العالمية، ولكان شرفاؤها حرروا فلسطين عشرين مرة، ولكانت الدول العربية قاطبةً تعيش في بحبوحة مهمة، ولما وجدنا هذا الدمار، وهذا الفقر، وتلكم النزاعات، مع الاشارة الى ان الكثير من اهل هذه البلاد يعيشون على القروض، فيقضون حياتهم سعياً وتعباً لإيفائها، ناهيكم عن احزمة الفقر التي لا يعرف بها احد، ولا يُسلط اي اعلام الضوء عليها، خوفاً أو منعاً.
- تفقد هاتان الدولتان اي استقلال سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي وحتى ايديولوجي، فمن غير المسموح لهما اتخاذ اي قرار بشكلٍٍ مستقل، وما تجربة الملك فيصل في سبعينيات القرن الماضي الا عينة مؤكِدة، وكل السياسات تأتي جاهزة ومعلبة من واشنطن من تقرير التحالفات، الى رسم السياسات الاقتصادية والاتفاقيات، الى الثقافة الاجتماعية، الى المنهج التربوي والتعليم الذي ينتج معرفة سطحية مبتذلة، حتى العبادة تتحكم فيها سيدتهم، لتنصب نفسها ربهم الاعلى.
- ان كل ما نراه في هاتين الدولتين من قوة اقتصادية، ليست عميقة ومتجذرة، بل وهمية وكرتونية، وتشبه احجار الدومينو، التي تقع عند اول هزة، فالاموال المفترضة هي في البنوك الاميركية ” وكلو مأيد عالدفتر” عند الاميركي الذي يحكم رقابهما ويرمي لهما الفتات في مشهد يشبه حظيرة الاغنام حيث همها علفها، وان تعثر سوق النفط او تراجعه او انهياره يعني حكماً انهيار اقتصادي عندهما.
وغيره .. وغيره .. مما نأنف عن ذكره مراعاةً للإختصار، ولمشاعر البعض، ولكن نأسف أن نقول أنها الحقيقة المرة، وأعتقد أن مشاكلنا العربية والاسلامية ليست فقط في وجود اسرائيل، انما في وجود الثلاثي “إسرائيل ـ السعودية ـ الامارات” والباقي تفاصيل.
اما الدول المعادية للولايات المتحدة الاميركية، فجزءٌ منها دول قوية، وتتقدم وتتطور بفعل ارادات ابنائها، ودولٌ ترهقها الحروب بفعل المؤمرات الخارجية لدول الحلف الاميركي، الذي يخاف استقرار هذه الدول لعدة اسباب اهمها خوفه من تكرار تجربة ايران الثورة، مع لحظ بعض الفوارق الطبيعية، وخوفه من اعادة انتاج الثورات في هذه البلاد وتقديمها بما يلائم الشعوب العربية كافة والبعض غير العربية.
ويُعاونه من داخل هذه الدول، فئة كونسبيراسية واوليغارشية عميلة وفئة مجتمعية وضيعة، تتشكل من الكثير من الاغبياء الجهلة، ولولا وجود هاتان الفئتان لما قدر العدو على اختراق ساحاتنا، وما العراق وسوريا ولبنان واليمن الا نماذجٍ لدولٍ جمعت في نفس الاطار الجغرافي شرفاء يبذلون ارواحهم رخيصة لتراب الاوطان، وفاقدي الشرف يستسهلون وضع رقابهم جسراً ليدخل المستعمر اليها، ويحملهم على ذلك الكثير من الحقد غير المفهوم والغباء والقليل من المال الحرام.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع