فيما يستمر التهريب ويزدهر يغيب ملف العلاقات اللبنانية السورية عن حيز المعالجة الجدية رغم حاجة لبنان للتعاون في مجالات عدة، لكنها المكابرة والمحاذير المرتبطة بحسابات خارجية ومزايدات داخلية تحول دون طرحه للبحث بجرأة وواقعية.
منذ تعيينه وخلال اجتماع عقده بعد مضي خمسة ايام على رئاسته للحكومة صارح حسان دياب وفداً فاتحه بموضوع العلاقة مع سوريا بالقول: “لا تطلبوا مني شيئاً بهذا الخصوص وخلي رئيس الجمهورية ميشال عون يمشي بالموضوع”. كان ذلك فيما كان الجميع يتأمل منه ان يخطو خطوات جريئة تعيد العلاقات اللبنانية السورية الى نصابها المفترض وتساعد لبنان في تخطي صعوباته الاقتصادية. اشتدث الازمة وبقي موقف دياب على حاله، مغلباً حساباته السياسية واعتباراته الداخلية وخشيته من العقوبات الاميركية على ما عداها، متجنباً الخوض ببحث اي علاقة مع سوريا من خلال المؤسسات الرسمية.
يريد لبنان استئناف خط الترانزيت الى العراق والاردن عبر سوريا من دون ان يتحدث مع المسؤولين فيها، ويرغب استجرار الكهرباء من الاردن من دون بحث امكانية ذلك مع السوريين متكلاً على الاردنيين ووساطتهم للبنان مع الاميركيين، لكن السؤال هل يمكن المرور عبر خط سوريا بالترانزيت او عبر الاستفادة من خط الغاز العربي من دون اتفاق مسبق مع السوريين؟ يتفاوض لبنان مع مصر والاردن ويتجاوز سوريا علماً ان شؤونه معلقة بالاتفاق معها. يعاني من التهريب بينما يمكن الحد منه ببحث جدي بين البلدين واعادة النظر في الاجراءات الجمركية المعقدة والاعفاءات الضريبية من الجانبين.
ينأى دياب بنفسه عن الملف السوري رغم وعوده المتكررة، طوّق نفسه ولبنان فيما لم تحرّك الاحزاب الحليفة لسوريا والممثلة في الحكومة ساكناً الا مؤخراً وبدفع من المعنيين والمتابعين لملف العلاقة مع سوريا. فشكلت قبل اشهر لجنة من حلفاء سوريا هدفها بحث القضايا التي لا يمكن للحكومة ان تبت بها بينما يمكن للبنان ان يستفيد منها. انجزت اللجنة دراسة كاملة متكاملة قبل شهرين بمشاركة خمس قطاعات يحتاجها لبنان ضمنها الدواء. يوجد في سوريا 76 معملاً تابعاً للقطاع الخاص ويتم تصنيع قرابة 200 دواء يصدر الى اليونان وصربيا ودول اوروبية بمواصفات عالمية، معظم هذه الانواع مقطوعة في لبنان، كذلك يمكن بحث موضوع استيراد الاسمنت والزجاج بأسعار معقولة جداً. رفعت اللجنة دراسة الى رئيس حكومة تصريف الاعمال حول المجالات التي يمكن الاستفادة منها من خلال التعاون مع سوريا، والتي كان يفترض ان يصار الى بحثها خلال اجتماع وزاري مشترك لبناني سوري يشارك فيه وزراء النقل والصناعة والشؤون الاجتماعية والصحة والزراعة أرجئ الى حين تشكيل حكومة سورية جديدة، لكن دياب شطب معظم بنود ما ورد في الدراسة بعد الاطلاع عليها مقترحاً ان يتم الاتفاق على التعاون في معظم القضايا من خارج الحكومة، ومؤسسات الدولة ومقايضة البضائع ببضائع وان يتم التعاطي المالي من خلال احد المصارف اللبنانية، وعدم تطرق البحث لموضوع النفط والغاز ومشتقاته. تعاطٍ أغضب الجهات الرسمية السورية لحذفه غالبية البنود والابقاء على الجزء البسيط منها، ورفض التواصل المباشر مع الحكومة السورية او بحث اي شأن يتعلق بلبنان بحجة انه رئيس حكومة تصريف اعمال. فكان المخرج ان يتولى الوزراء من حلفاء سوريا زمام المبادرة ضمن المتاح من صلاحياتهم. فيحق لوزير الصحة ان يبحث بموضوع الدواء مثلما فعل في روسيا وتركيا، وتم بالفعل تحضير مجموعة كبيرة من الادوية التي يفترض ان تستوردها الشركات بأسعار مخفضة لوجود الدعم على الدواء في سوريا، والذي وان رفع فان سعره يبقى مقبولاً.
يقول المعنيون بهذا الملف ان كثيراً من الامور بين البلدين يلزمها تعاون واذا كان لبنان يتجنب مخالفة قانون قيصر فهذا لا يلغي امكانية تفاوضه بشأن شؤون معينة تسعفه في ازمته. لكن دياب يحاذر الموافقة خطياً على زيارة وزراء من حكومته الى سوريا ويريدها ان تتم بشكل غير رسمي ومن دون تكليف من قبله، وهو ما يرفضه المسؤولون في سوريا الذين يصرون على ان تكون الزيارات رسمية بجدول اعمال واضح يتم التوقيع عليه بعد الاتفاق بشأنه بين الجانبين. دياب وعد مؤخراً المعنيين بالتنسيق بين لبنان وسوريا باتخاذ بعض الاجراءات التي يمكن المساعدة من خلالها على تسيير بعض الشؤون المهمة للبنان، وتساهم في حل ازمته جزئياً كالترانزيت والاسمنت وغيرها. لكن المعنيين بالملف يشككون في التزامه خوفاً من الاميركيين.غير ان التعاون سيسلك طرقاً اخرى خارج رئيس الحكومة، وعلم في هذا الصدد ان اجتماعاً سيعقد للجانب اللبناني من اللجنة الاربعاء المقبل للتباحث في الامور التي يمكن ان يتولى انجازها الوزراء من خلال وزاراتهم، فمثلاً يمكن لوزير الصناعة عماد حب الله ان يقر موضوع الاسمنت، ولوزير الإقتصاد والتجارة راوول نعمة ان يسهل اموراً متعلقة بالتبادل التجاري، وكذلك وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار الذي تلقى دفعاً من مرجعيته السياسية، وكذلك من المفترض ان وزراء “حركة أمل” يسيرون قدماً بهذا التعاون.