كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: يبدو أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يلتزم بالحديث الشريف القائل: ″إستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان″، ففي الوقت الذي يصرّ فيه البعض منذ إنتهاء اللقاء السادس في بعبدا على نشر أجواء سلبية حول تشكيل الحكومة والتأكيد أن ″لا شيء متوافق عليه إنطلاقا من أن رئيس الجمهورية ميشال عون يريد كل شيء في الحكومة العتيدة لتياره السياسي بما يؤمن مستقبله الانتخابي والسياسي والسلطوي″، يتحصن الرئيس ميقاتي بالصمت، ويعمل على تجميل بعض السلبيات، ويحرص على التعاطي الايجابي مع عون طالما أن الأمور لم تصل بعد الى الطريق المسدود.
بات واضحا أن ميقاتي مستمر بهذا النهج طالما هناك بصيص أمل بإمكانية تشكيل حكومة تشكل صدى إيجابيا للبنانيين وتوقف الانهيار وتستفيد من المساعدات الدولية في البدء بعملية الانقاذ، خصوصا أن الرئيس المكلف لم يأت لتصفية حسابات أو لتنفيذ أجندات أو للدخول بمحاور سياسية، أو ليضع التأليف في جيبه، بل جاء في مهمة إنقاذية تحاكي تطلعات المواطنين وتلتزم بسقف الدستور والتوازنات القائمة في البلاد، وبالتالي فإن من لم يلاق ميقاتي في منتصف الطريق من أجل التعاون على تشكيل هذه الحكومة، فإنه يُغرق لبنان في الانهيار الذي بدأت بوادره على أكثر من صعيد تظهر في مختلف المناطق اللبنانية.
في الشأن السياسي، يبدو أن التحضيرات للانتخابات النيابية المقبلة قد إنطلقت، لتضاعف من حدة المواجهات بين الخصوم، ولتضعف التنسيق والتفاهمات بين الحلفاء، وتدفع الأكثرية الى إعتماد التحريض الطائفي والمذهبي وتبادل الاتهامات، وممارسة شعبوية بدأت تخرج عن مسار العمل السياسي الى فوضى الشارع ما قد يؤدي الى ما لا يُحمد عقباه.
في الشأن الأمني، يبدو البلد على كف عفريت يتلاعب باستقراره، من أحداث خلدة الى إعتراض المقاومين في شويا، الى توترات طرابلس، الى إشتباكات بعلبك، الى إعتداء بياقوت، الى التصفيات الجسدية التي تشهدها بعض المناطق، والاشكالات المسلحة المتنقلة التي تحصد يوميا القتلى والجرحى، الى السطو المسلح وقطع الطرقات والاستفزازات المتبادلة، والكراهية الظاهرة، وكلها مؤشرات تدل الى أن البلاد تقف على أبواب حرب.
في الشأن الاجتماعي حدّث ولا حرج، حيث تغيب كل مقومات الحياة الكريمة، والآتي يبدو أعظم، خصوصا في ظل إنقطاع المحروقات التي تترجم طوابير ذل للسيارات أمام المحطات لتعبئة البنزين، وتتسبب بتعطيل كل أوجه الحياة بفعل إنعدام مادة المازوت، حيث هددت المستشفيات التي تفتقر أساسا الى كل المعدات والمستلزمات الطبية بإقفال أبوابها لعدم قدرتها على العمل من دون هذه المادة الحيوية، كما حذرت الأفران من التوقف أيضا ما ينذر بأزمة رغيف، فضلا عن توقف مولدات الكهرباء البديلة التي تلهب جيوب المواطنين بالتعرفة الخيالية، وتمارس عليهم تقنينا قاسيا يضاف الى الغياب شبه الكلي للتيار الكهربائي الرسمي ما يجعل ساعات التغذية من المصدرين لا تتعدى الثماني ساعات، فضلا عن تأثير فقدان المازوت على كل المرافق الحيوية لا سيما أوجيرو التي بدأت أعطال الاتصالات والانترنت تثقل عليها وعلى المواطنين، ومؤسسات المياه التي لم تعد قادرة على إدارة محركاتها، فضلا عن تعطل كل مؤسسات الدولة وأجهزتها التي تحتاج الى الكهرباء لتشغيل أنظمة الكومبيوتر والتي باتت في معظمها متوقفة.
في الشأن الدوائي، بدأت الناس تخرج عن طورها، فالصدليات تحولت الى محلات لبيع أدوات التجميل أو المكملات الغذائية، أما الأدوية الأساسية والمزمنة فمفقودة رغم الارتفاع الجنوني بأسعارها، ما يهدد كثيرا من المرضى بالموت لعدم قدرتهم على تأمين حبة دواء، فضلا عن الأزمة التي يواجهها الأطفال والرضع بفقدان الحليب الخاص بهم.
يضاف الى كل ذلك، السعر الجنوني لصرف الدولار الذي يفترس الرواتب والمدخرات ويحول السوبرماكات الى أماكن رعب من الأسعار التي تتضاعف يوميا من دون حسيب أو رقيب وفي ظل غياب تام لوزارة الاقتصاد وأجهزتها في الدفاع عن المستهلك.
هذا الواقع يجعل تأخير تشكيل الحكومة لأي سبب كان، جريمة موصوفة وتاريخية بحق اللبنانيين، خصوصا أن لبنان يتجه نحو الجحيم وقد يفقد كيانه ووجوده ودوره ويتحول الى “كانتونات” ربما تكون أسوأ من التي كانت قائمة خلال الحرب الأهلية، في حين يستمر المعنيون بفرض الشروط حول وزارة هنا أو وزير هناك أو معايير هنالك..
لا يختلف إثنان على البلد أمام منعطف هو الأخطر منذ تأسيسه قبل مئة عام، فإما تسهيل مهمة الرئيس نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة يتطلع كل العالم الى أن تبصر النور، أو الدخول في سيناريو دراماتيكي قد يرسم نهايات مأساوية.
المصدر: سفير الشمال