} حسن حردان-البناء
هلت في مثل هذه الأيام بشائر انتصار المقاومة الاستراتيجي والتاريخي على العدوان الصهيوني الأميركي في تموز من عام 2006، واذلال جيش الاحتلال ضباطا وجنودا على أيدي رجال المقاومة البواسل الذين لقنوهم دروسا في القتال لن ينسوها ما داموا على قيد الحياة.. إن انتصار المقاومة في تموز كشف بما لا يدع مجالا للنقاش ان جيش الاحتلال الصهيوني إنما كان مجرد أسطورة مزيفة في العقل العربي، كان يحقق الانتصارات على الجيوش العربية بسبب غياب إرادة القتال لدى القيادات العربية وعدم إيمانها بقدرة الجندي العربي على مواجهة الجندي الصهيوني.. فكان الجندي العربي يذهب إلى القتال وهو مهزوم في داخله مقتنع بأنه غير قادر على هزيمة الجندي الصهيوني والانتصار عليه في ميدان المعركة…
ما حصل في تموز ان المقاومة احدثت انقلابا ثوريا في هذه الروحية، بان أكدت أن جيش الاحتلال إنما هو أوهن من بيت العنكبوت، وانه عندما تتوافر مقاومة جدية على رأسها قيادة ثورية لا تهادن ولا تساوم وتملك الإيمان بقدرة حرب المقاومة الشعبية المسلحة على تحقيق النصر، فإنها تستطيع تحرير الأرض المحتلة وإلحاق الهزيمة تلو الهزيمة بجيش الاحتلال الصهيوني وتكريس حقيقة ان الكيان الغاصب الذي أقيم على أرض فلسطين إلى زوال لانه لا يملك الحق وانه قام على الإرهاب واحتلال اراض الغير، وأن المستوطنين عندما يوضعون بين خياري مواجهة الموت دفاعا عن احتلالهم، أو النجاة بحياتهم والعودة من حيث أتوا، فانهم سيختارون الحفاظ على حياتهم والعودة إلى بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها على وعد الحصول على المن والسلوى ورغد الحياة.
هذه الحقيقة التي كرّسها انتصار المقاومة في تموز وادت الى احداث زلزال في كيان العدو والوعي الصهيوني خلخل البيان الذي قام عليه الكيان، واسقط كل المفاهيم التي سادت على مر عقود الصراع العربي الصهيوني.. لقد فقد الصهاينة إيمانهم بقدرة جيشهم على تحقيق النصر في مواجهة المقاومة من ناحية، وانعدمت ثقتهم بقدرته على حماية أمنهم واستقرارهم في اي حرب مقبلة مع المقاومة من ناحية ثانية.. وما حصل في المواجهة الأخيرة في فلسطين المحتلة والمعادلة الردعية الجديدة التي فرضتها المقاومة الفلسطينية تحت اسم سيف القدس، رسخ هذه القناعة لدى المستوطنين الصهاينة بأن جيشهم لم يعد قادر على تحقيق الأمن والاستقرار الذي كانوا يتمتعون به في السابق، وان هذا الزمن قد ولى إلى غير رجعة، وحل مكانه قلق متزايد على مستقبل ووجود الكيان الصهيوني..
على أن من صنع معادلات الردع والانتصار في تموز 2006، وفي أيار 2021، إنما هو ارادة المقاومة وقرارها الجريء والشجاع في خوض الصراع وعدم التردد في ميدان مواجهة جيش الاحتلال من جهة، وتعزيز وتحصين هذا القرار وهذه الإرادة بالاستعداد والجاهزية وتوفير مستلزمات المعركة وفي مقدمها امتلاك المقاومة القدرات الصاروخية المتطورة التي بنتها بعرق وجهد كوادرها .. فلولا توافر الإرادة والقرار لما كانت المقاومة امتلكت جرأة خوض المواجهة وتحقيق النصر، ولولا انها لم تعمل على بناء قدراتها الصاروخية الردعية لما أمكنها فرض معادلات الردع في المواجهة مع الاحتلال وإجباره على التسليم بها والرضوخ لقواعدها، وهو ما تجسد مؤخرا في واقعتين ذات دلالات هامة: الواقعة الأولى، اضطرار حكومة العدو إلى التراجع عن قرار اخلاء منازل العرب المقدسيين في حي الشيخ جراح، حيث امتنعت المحكمة الإسرائيلية العليا عن اصدار قرار بالإخلاء ولجأت إلى محاولة طرح تسوية رفضتها العائلات الفلسطينية لأنها تحوّلها من ملاك إلى مستأجرين لدى المستوطنين الذين يدّعون زورا انهم ملاكها الأصليين.. وقرار المحكمة المذكور بالتراجع عن إخلاء العائلات الفلسطينية من منازلها لم يكن ليحصل لولا معادلة سيف القدس التي فرضتها صواريخ المقاومة وقبل ذلك اتخاذ قرارها الجريئ بحماية القدس أرضا وشعبا ومقدسات وتنفيذ هذا القرار…
الواقعة الثانية، ردّ المقاومة القوي وفي وضح النهار على الغازات الصهيونية على جنوب لبنان، وهو الرد الذي الزم حكومة العدو بالعودة الى الانضباط بقواعد الاشتباك ومعادلة توازن الرعب والردع التي فرضتها المقاومة في حرب تموز 2006.. فلولا رد المقاومة السريع، كما قال امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، لكان جيش الاحتلال نجح في البدء بتكريس التحرر التدريجي من هذه المعادلة والعودة إلى الاعتداء على لبنان متى أراد.. على أن رد المقاومة افهم العدو بأن المقاومة لن تسمح بتجاوز معادلاتها الردعية، وعليه الاختيار، بين التصعيد وتدحرج الوضع الي حرب، وبين العودة إلى الخضوع لمعادلات الردع التي تمخضت عنها نتائج حرب تموز.. فكان ان اختار الخضوع..
ماذا يمكن أن نستخلص من هاتين الواقعتين:
اولا، إن جيش الاحتلال يقبع في حالة ردع منذ انتهاء حرب تموز، وأن المقاومة التي الحقت به الهزيمة المرة باتت أكثر قوة وقدرة وتصميما على تكريس معادلتها الردعية، التي أثبتت من خلالها انها هي التي تحمي لبنان من الاعتداءات والأطماع الصهيونية، وأن قوة المقاومة وحدها هي التي تجعل جيش الاحتلال في حالة ارتداع.. وليس التخلي عن هذه القوة كما تطالب بعض القوى والشخصيات الموالية للغرب التي تحاول التنكر لأهمية ما حققته المقاومة من تحرير للأرض وحماية أمن واستقرار لبنان..
ثانيا، ان معادلة سيف القدس وانتفاضة الشعب العربي في فلسطين المحتلة، وتوحده في مواجهة هجوم الاحتلال ومستوطنيه في القدس المحتلة، هو الذي فرض حماية أهالي حي الشيخ جراح من التهجير، والمسجد الأقصى من التهويد.. وان هذا الإنجاز عزز القناعة والايمان والثقة بقدرة المقاومة المسلحة والانتفاضة الشعبية على تحقيق النصر في مواجهة الاحتلال، وأكد ان العدو لا يفهم سوى لغة القوة المستندة إلى الحق، وأن وحدة الشعب الفلسطيني وتمسكه بمقاومته، هي السبيل لحماية حقوقه الوطنية والقومية في كل فلسطين المحتلة، وفي القلب منها القدس…
لهذا علينا أن ندرك جيدا لماذا كل هذا الهجوم الشرس على المقاومة من قبل أعدائها والقوى التابعة للمستعمر الغربي.. لأن المقاومة أصبحت تشكل خطرا وجوديا على كيان العدو الصهيوني المحتل والغاصب للأرض العربية في فلسطين والجولان العربي السوري، وأجزاء من جنوب لبنان.. لذلك علينا أن نزداد تمسكاً ودعماً واحتضاناً لهذه المقاومة التي أعادت لنا العزة والكرامة والأمل الواقعي بتحرير الاراضي العربية المحتلة، وجعل وجود الكيان الغاصب، سبب مشاكلنا، مهدّداً بالزوال…