أبو زهير –
أذكر أنّني حينما كنت صبيّاً كنت ألعب مع أبناء جيلي في الأحياء البيروتيّة القديمة (يوم كانت بيروت لمحبّيها ولساكنيها ولأهلها) ألعاباً صبيانيّة شتّى تختلف عن تلك التي يحترفها أولاد هذا الجيل على الهواتف الذكية و”البلايستايشن”، والتي تتميّز بكونها مقيتة وقاتلة للنشاط والحركة (والحزب).
فقد كنّا نلعب صفّ حجارة، شكّة، غمّيضة، لقّيطة، وخصوصاً القفز بالحبل… وكان هذا الأخير اللعبة المفضّلة لديّ. يمسك شخصان بالحبل من كل جهة، ويقف ثالثهما في الوسط، فيقفز على وقع “ترتيلة” ردّدتها أجيال لسنوات خلت في أثناء “اللعب على الحبال”: بوظة، قشطة، حليب، فريز… بوظة، قشطة حليب، فريز… فتفيض الفواكه والحلويات ما دام الحبل يدور، إلى أن يتعثّر الشخص الذي يقفز في الوسط فوق الحبل وتحته، فيُقال له “قطمت”.
بعد ذلك يخرج هذا الشخص من الوسط، ثمّ يمسك أحد طرفيْ الحبل، ويدخل مكانه واحد من اللذيْن كانا يمسكان الحبل، ويحاول القفز أطول فترة ممكنة.
بخلاف الرئيس الحريري، فإنّ طموحات ميقاتي متواضعة، فهو لا يطمح إلى كسر رقم الحريري القياسي في القفز 9 شهور، وإنّما يصبّ جامّ اهتماماته على “تحسين وضع الحبل” نفسه، وذلك من أجل أن تستمرّ اللعبة وأن يستمرّ التناوب على القفز والقفز والقفز
تشبه هذه اللعبة كثيراً تشكيل الحكومة. أنقذ نفسه مصطفى أديب قبل أن يبدأ العد. قَفَزَ الرئيس المعتذر سعد الحريري لنحو 9 أشهر على الحبل مردّداً: إصلاحات، مساعدات، هيكلة، جدولة… إصلاحات، مساعدات، هيكلة، جدولة. فدام “دقّه” نحو 9 أشهر، ثمّ “قطم” في نهاية المطاف بهمّة الخيّرين.
اليوم دخل الرئيس ميقاتي إلى الوسط (ربّما إلى بيت الوسط)، وحلّ الحريري مكانه وأمسك بالحبل.
وعلى “هارموني” رسمها الرئيس فؤاد السنيورة بعناية للاعبي نادي الرؤساء، وخصوصاً للّاعبيْن الممسكيْن بطرفيْ الحبل (الرئيسين الحريري وتمام سلام)، بدأ ميقاتي بالقفز مردّداً: كهرباء، مازوت، بنزين، دواء… كهرباء، مازوت، بنزين، دواء.
وبخلاف الرئيس الحريري، فإنّ طموحات ميقاتي متواضعة، فهو لا يطمح إلى كسر رقم الحريري القياسي في القفز 9 شهور، وإنّما يصبّ جامّ اهتماماته على “تحسين وضع الحبل” نفسه، وذلك من أجل أن تستمرّ اللعبة وأن يستمرّ التناوب على القفز والقفز والقفز. يحاول ميقاتي أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء قليلاً، علّه في خضم هذا الوقت المستقطَع يستطيع زيارة المطاعم مجدّداً، فيتسنّى له تناول الوجبات السريعة أو ربّما البطيئة (بحسب الثوّار وسرعتهم في الإغارة).
ليت الرئيس ميقاتي قريبٌ منّا هنا في بيروت، تحديداً الطريق الجديدة، لكنت دعوته إلى أطيب سندويش شاورما دجاج أو لحمة لدى مطعم “شاورما بيروت”. السندويش بـ10 آلاف ليرة “وما بتسمّم” بقدر لعبة الحبل.
يلعب أعضاء نادي الرؤساء على الحبل. يقفزون ويقفزون، وهم يعلمون بأنّ الرئيس ميشال عون، وخلفه الوزير جبران باسيل، ومن خلفهما طبعاً “حزب الله”، يحاولون مجتمعين، في السرّ وفي العلن، وبين الوقت والآخر، اللعب بالـTempo من أجل دفع هذا إلى أن “يقطم”، ومساعدة ذاك ليطول “دقّه”.
حتى الآن “قطم” الرئيس الحريري، وانتهى “دقّه”، والدور آتٍ على الرئيس ميقاتي…
اقفزوا ما شئتم، ودوروا واصرخوا، فكلّ ذلك سيبقى ضمن دائرة الحبل الوهمية، ضمن حلقة مفرغة لن تبدّل في الواقع شيئاً. القفز يستنزفكم ولن يزيد من منسوب الدولارات في خزائن المصرف المركزي. القفز يرهقكم ولن يعيد أموال المودعين.
حبلكم هذا ليس حبل الله ولا حبل الناس. لن يُفجّر لكم في الأرض ينابيع نفطٍ وغاز، ولا بنزين ومازوت. حبلكم لن يجعل السماء تمطر Panadol و AugmentinوXanax. قفزكم على هذا الحبل لن يُوقف تهريب المحروقات على الحدود بين لبنان وسوريا (وهذا أوّل شرط سيكون لصندوق النقد الدولي). لن يعيد الحبل الخلايا النائمة (OH OH) في دول الخليج ودول أوروبا، ولن يعيد المقاتلين من اليمن ومن سوريا ومن العراق!
يأكلنا الوقت وهذا الحبل سيلتفّ على أعناقنا جميعاً، بإذن الله تعالى، وبهمّتكم وبهمّة المعطِّلين طبعاً… فاقفزوا واصرخوا وهيّصوا يا أعضاء نادي “القفز على الحبل”!
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع