منذ انطلاقته، شهدت المواجهة بين حزب الله والولايات المتحدة الأميركيّة مراحل متعدّدة والهدف منها إسقاط الحزب وسلاحه الذي شكّل البقية الباقية من كرامة الأمة، وقد اعتبرت الولايات المتحدة الحرب على الحزب، منذ انطلاقته، كأحد فصائل المقاومة اللّبنانية وأبرزها في مواجهة الاحتلال “الإسرائيلي”، وإلحاق الهزيمة بالجيش الذي كان لا يُقهر عام 2000 إثر اندحار الاحتلال تحت ضربات المقاومين ولاحقاً في انتصار تموز عام 2006 وما تبع ذلك من عمليات تحرير لأسرى لبنانيين وعرب، وعلى ضوء تلك الهزائم أدركت الولايات المتحدة خطورة الحزب ومشروعه الذي رفع شعار تحرير القدس وكل فلسطين عنواناً رئيساً لكفاحه، فاتخذت الولايات المتحدة قرار الحرب على الحزب منذ انطلاقته ضمن المراحل التالية:
1 – تشويه صورة الحزب بقرار أميركي أوروبي وعربي تبنته بعض المنظمات الدوليّة ودول مجلس التّعاون الخليجي والجامعة العربيّة من خلال تصنيفه كمنظمةٍ إرهابيّةٍ ووضع بعض الشّخصيات والقيادات وبعض المغتربين على قائمة الإرهاب.
2 – استهداف المؤسّسات المدنيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة للحزب واعتبارها منظمات ومؤسّسات إرهابيّة وإلحاق بعض المؤسّسات الاغترابية بها منها مؤسسة القرض الحسن ومؤسّسة الشّهيد وغيرها.
3 – تصعيد الاستهداف والحرب من خلال فرض العقوبات على لبنان وشعبه وتشديد تلك العقوبات على بيئة المقاومة واستهدافها من الدّاخل ومحاولة تقليبها على المقاومة من خلال ممارسة المزيد من الحصار والاحتكار والضّغوطات.
تلك هي الحرب الكونيّة التي تقودها الولايات المتحدة وحلفها وأدواتها في الدّاخل اللّبناني. حرب استنفرت فيها كلّ الإمكانيات ورُصِدت لها مليارات الدّولارات وتوفّرت لها كلّ التقنيات للتّصويب على الحزب الذي جُرِّم بهزيمة الكيان الصّهيوني الغاصب والوقوف في وجه المشاريع الأميركيّة في المنطقة وإسقاطها بأوجهها المتعدّدة في لبنان وسورية والعراق واليمن، وليس من المستغرب أن تشنّ هذه الحرب من أعداء المقاومة والحزب الذي كان رأس حربتها لأنّها تندرج ضمن إطار الصّراع والحرب المفتوحة التي طوّرها الحلف الاستكباري الأميركي الصّهيوني من خلال توسيع رقعة الحرب وتعدُّد أشكالها ومحاولة التّغلغل في الدّاخل والعمل على تفتيت البيئة الحاضنة للمقاومة التي كانت ولا تزال صامدة، رغم كل الصّعوبات متصدّية لكلّ المؤامرات، وما برحت تلك البيئة هدفاً للعدوان الأميركي الصّهيوني الذي كلّما ازداد ضراوةً كلما ازدادت تلك البيئة تمسّكاً بمقاومتها وكلّما أدركت أنّه لولا سلاح المقاومة لكنّا أسرى للاحتلال “الإسرائيلي” أو ذبائح ورهائن لدى “داعش” وغيره من التّنظيمات الإرهابيّة. كلّ ذلك تدركه تلك البيئة الواعية والصّامدة التي تتعرّض لأبشع الحروب النّفسية والعنصريّة والتشويه الإعلامي وتزوير الحقائق لكنّها لا تزال تقف وتتصدّى لها وتدافع بكلّ جرأة. تلك البيئة التي كانت عنصراً هامّاً في الانتصار على العدو “الإسرائيلي” وعلى هزيمة “داعش” أصبحت اليوم عرضةً لعدوان أخطر من العدوان الأميركي “الإسرائيلي” وأشرس من العقوبات والحصار من خلال محاربتها من داخلها ومحاولة تفتيتها وهزيمتها على أيدي التّجار المحتكرين وأصحاب الكارتيلات النّفطية والغذائيّة وأصحاب المولدات الكهربائيّة الذين أشهروا سيف فسادهم وطمعهم وجشعهم على رقبة تلك البيئة. نعم إنّهم العدو الخفي والأخطر الذي بدأ ينهش بمجتمعنا وبيئتنا من الدّاخل بالرّغم ممّا يقوم به حزب الله وما يقدّمه من خدمات ومساعدات، لكنّ طغيان تلك الفئة الفاسدة والمتحكّمة برقاب البشر هي الأعتى والأظلم والأقسى من أي حصار أو عقوبات. ومن المهين علينا أن تهزمنا ثلّة من الفاسدين والمستثمرين بأوجاع الناس، خاصةً أولئك الذين لم يبخلوا بأي تضحيّة من أجل المقاومة. لذلك فإنّ التصدي لأولئك الفاسدين ليس بأقلّ أهمية من التّصدي للحصار والعقوبات الأميركية بل إنّ دورهم أخطر وما يقومون به ما هو إلّا جزء من الحرب المعلنة على لبنان وشعبه وعلى بيئة المقاومة وما هم إلّا جنودٌ للعدوان بل متطوّعون مجانيون من حيث يعلمون أو لا يعلمون. لذا فإنّ المطلوب التّصدي لأولئك المبتزين ووضع حدّ لفسادهم من خلال إيجاد آليات عمل جديّة تضمن استمرارية الصّمود والتصدي للعدوان. فالعدو الخارجي واضح لنا ويتربص بنا وسيهزم، كما هزم سابقاً، أمّا أياديه في الداخل فيجب بترها كي لا تعبث بأمننا الغذائي والاجتماعي، فالبيئة التي وصفها سماحة الأمين على الأرواح والدّماء بأشرف النّاس وأطهرها تستحق أن نقاتل من أجلها.
*النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع*