علي نور الدين -أساس ميديا
ما سيجنيه لبنان من مؤتمر الدعم الدولي الأخير، ومن حقوق السحب الخاصّة التي سيعيد صندوق النقد الدولي تخصيصها للبنان خلال الأسابيع المقبلة، كان كافياً ليُحدث تفاؤلاً في قدرة هذه المساعدات على تخفيف آثار الأزمة الماليّة.
في مؤتمر الدعم الدولي الخاصّ بلبنان، قدّمت الدول المشاركة تعهّدات بتقديم نحو 370 مليون دولار من المساعدات الإنسانيّة، وهو ما يفوق بما يقارب 20 مليون دولار قيمة الاحتياجات الإنسانيّة التي حدّدتها الأمم المتحدة بـ350 مليون دولار. ويُفترض بهذه المساعدات أن تملأ الفجوة التي تركها غياب الدولة وشللها، خصوصاً أنّها تغطي نفقات ذات طابع حسّاس في مجالات المواد الغذائيّة والصحّة والتعليم وتنقية المياه.
أموال المؤتمر لن تذهب حكماً إلى مؤسسات الدولة الرسميّة، بل ستذهب مباشرة إلى المستفيدين منها من خلال المنظمات الإنسانيّة ومؤسسات المجتمع المدني، بإشراف الأمم المتحدة. لذلك لن تستفيد ميزانيات الدولة من هذه الأموال، ولا حتّى احتياطات المصرف المركزي، بل سيقتصر أثرها الاقتصادي المباشر على ما يمكن أن يستفيد منه لبنان من ضخّ هذه العملة الصعبة في الأسواق، وهو تحديداً ما يستبشر به البعض خيراً في ظل أزمة سعر الصرف الحاليّة.
على خلاف أموال مؤتمر الدعم، ستكون الحكومة اللبنانيّة المستفيد النهائي من الدولارات التي يمكن أن يحصل عليها لبنان من إعادة تخصيص حقوق السحب في صندوق النقد. وتُقدّر قيمة هذه الأموال بحوالي 860 مليون دولار. وبعد الحصول على هذه الدولارات، سيكون بإمكان الدولة إنفاقها مباشرةً بالعملة الصعبة على الدعم أو مشروع البطاقة التمويليّة، أو سيكون بإمكانها إيداع الدولارات في المصرف المركزي لتعويض النقص في احتياطاته والإنفاق مقابلها بالليرة اللبنانيّة وفق سعر صرف معيّن. مع الإشارة إلى أنّ الخيار الثاني سيخلق إشكاليات معيّنة من جهة الفارق بين قيمة الدولارات الفعليّة وسعر الصرف الذي يمكن اعتماده لهذه العمليات. لكن في كل الحالات، ستكون الدولة صاحبة القرار النهائي بالنسبة إلى هذا الموضوع.
وهكذا سيستفيد لبنان خلال 2021 من قيمة إجماليّة تبلغ مليار ومائتان وثلاثون مليون دولار من حقوق السحب وأموال مؤتمر الدعم، تتنوّع ما بين الأموال التي ستصبّ في السوق مباشرةً، أو تلك التي ستشرف على إنفاقها الدولة اللبنانيّة وفقاً لمشيئتها.
لكن في مقابل هذه الأموال، يشير مصرف لبنان إلى أنّه أنفق من احتياطاته في شهر تموز وحده من هذا العام 293 مليون دولار لاستيراد البنزين والمازوت، ودفع نحو 415 مليون دولار لتمويل الموافقات المسبقة التي كانت ممنوحة لهذه الغاية. أمّا بالنسبة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، فدفع مصرف لبنان 120 مليون دولار لفتح الاعتمادات المطلوبة لاستيراد الفيول والمازوت المطلوبين لتشغيل المعامل. فتكون احتياطات مصرف لبنان قد خسرت قرابة 828 مليون دولار خلال شهر واحد فقط لتمويل شراء المحروقات على أنواعها.
في شهر تموز أيضاً، خصّص مصرف لبنان من احتياطاته قرابة 400 مليون دولار لتغطية استيراد الطحين والأدوية الحيويّة، ولا سيّما أدوية الأمراض المستعصية. وكان تحديد هذا المبلغ بالذات قد جرى لتفادي الإنفاق من الاحتياطات الإلزاميّة التي أودعتها المصارف لدى المصرف المركزي، خصوصاً أنّ الدواء والطحين غير مشموليْن بتسوية بعبدا الشهيرة التي أفضت إلى موافقة مصرف لبنان على الإنفاق من الاحتياطات الإلزاميّة لتمويل شراء المحروقات.
باختصار، في شهر تموز فقط، بدّد مصرف لبنان 1.228 مليون دولار على الدعم لتمويل استيراد السلع الأكثر حساسيّة في السوق اللبنانيّة. وهذه القيمة موازية تقريباً لقيمة المساعدات التي ستحصل عليها البلاد من مؤتمر الدعم وحقوق سحب صندوق النقد. وبذلك يكون كل التفاؤل الذي أحاط بحصول البلاد على هذه المساعدات مجرّد وهم، في ظل استمرار الفراغ الناشىء عن عدم وجود رؤية للخروج من مرحلة الانهيار الحاصل. وإنّ كلّ مساعدة سيحصل عليها لبنان اليوم، لن تساهم إلا بتمويل حرق الوقت والمال الذي يجري حالياً.