منذ حملته الانتخابية يشن رئيس وزراء العدو الجديد، نفتالي بينيت، حملة ضد غريمه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء العدو السابق، وكان ملف لبنان والجنوب السوري احد البنود الرئيسة في تلك الحملة.
يهاجم بينيت وفريقُه نتنياهو بزعم أن الاخير من خلال سياساته جعل الكيان مكبل اليدين امام محور طهران-بيروت الذي كسر معادلة التوازن لصالحه وفرض معادلات جديدة في المنطقة بحيث بات الكيان يراقب التنامي الكبير في قدرات حزب الله وخاصة على المستوى الصاروخي وبالتحديد في ملف الصواريخ الدقيقة الذي بات خطرًا استراتيجيًا محدقًا يطال مناطق فلسطين المحتلة ويطال الأهداف بدقة متناهية في كيان الاحتلال الذي لم يجرؤ على التحرك لمعالجته بل وقف محكومًا بالمعادلة الجديدة المفروضة وهو يراقب تدفق سيل الأسلحة عبر خط طهران-بغداد-دمشق-بيروت-غزة وهو جلّ وقته يراقب ويسجل التحركات ليل نهار ليجأر بالشكوى الى الاميركي او الروسي او يهاجم كل مدة شحنة واحدة من عشرات الشحنات التي تصل الى اماكنها ليل نهار من دون كلل او ملل.
وبلغت ذروة القلق الصهيوني مع حديثه عن وصول مكونات صاروخية اولية تتم إعادة تصنيعها كصواريخ دقيقة في معامل تم انشاؤها في مناطق سورية ولبنانية وحتى فلسطينية.
وكان ملف الجنوب السوري احد البنود المهمة مع تنامي نفوذ ايران وحزب الله هناك والسعي الى انشاء بنية تحتية لاطلاق جبهة عمل مقاوم مع شبكة شركاء محليين بهدف فتح جبهة جديدة تستنزف الاحتلال وتشتت قواه وتمهد للإطلاق العملاني لمفهوم “الحرب الاقليمية”.
على ضوء كل ذلك يحاول بينيت، من خلال سياسته الجديدة عند الحدود مع لبنان، إعادة تسلم زمام المبادرة ومحاولة تعديل ميزان الردع لصالح الكيان بحيث يستعيد مفهوم “سياسة اليد الطولى” للعدو أي أن يعود لمهاجمة أهداف داخل لبنان بعيدًا عن الحدود ساعة يشاء متسلحًا بمفهوم كان يتغنى به قادة العدو منذ عقود “سنرد الصاع الف صاع” لمحاولة كبح جماح المقاومة من خلال التلويح برد مبالغ فيه في حال أقدمت على الرد على اعتداءات الكيان وتحميلها تبعات ذلك امام الرأي العام في لبنان والعالم.
طبعا خطة الكيان هذه دونها عقبات كثيرة وباتت تواجه ظروفًا غير مسبوقة مع تنامي قدرات المقاومة والالتفاف الشعبي الكبير حولها والثقة بها وتمركزها عند الحدود مباشرة بقدرات كبيرة تهدد عمق الكيان والمغتصبات الحدودية التي باتت تحت مرمى نيران المجاهدين وبين قبضاتهم عندما تقتضي خطة المقاومة عبور الحدود والسيطرة عليها ليسقط ما في يد العدو من خطط وادعاءات وزعيق ويجد الحرب تحتدم داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة للمرة الأولى منذ العام ١٩٦٧.
يضاف الى ذلك ظروف الكيان الداخلية وعوامل استقراره التي تتبدل وتتغير بشكل مستمر منذ النكبة في العام ١٩٤٨.
منذ مدة تناقل اعلام العدو مقالًا مهمًا ولافتًا للصحفي الصهيوني والمراسل العسكري المخضرم “روبن بن يشاي” وهو مقال يستحق فعلًا لقب “استراتيجي” بامتياز إذ يشرّح مراحل أساسية في تاريخ الكيان ويفكك العقلية الصهيونية السائدة التي يرى هذا الصحفي انها “ستمنع أي انتصار في اي حرب مقبلة” رغم “عدم توقعه الهزيمة”!! بل الخروج بتفاهم كما هو سائد منذ سنوات على جبهات لبنان وغزة.
يرى بن يشاي ان إشاعة أسطورة أن الكيان “لا يمكن ان يُهزم” وخاصة بعد حرب الـ67 وحرب الـ73 كان لها مفعول سلبي إذ أرخت حالة من الطمأنينة الكاذبة وأسست أجيالًا صهيونية تعيش حالة من الدعة وتحلم بالترف على حساب البذل للمحافظة على تفوق “دولتهم”.
إن خوض اي حرب على جبهة غزة او على جبهة لبنان او جبهة مزيج بين لبنان وسوريا وربما غزة لن يحقق نصرًا ساحقًا بيّنًا بلا جدال “كما كان يحصل في حروبنا السابقة”، لأنه وبحسب بن يشاي: “اعداؤنا الآن ليسوا دولًا تستطيع هزيمتها، هم تنظيمات سرعان ما يخرج قادتها من بين الركام ويعلنون انتصارهم”!!
ويرى انه بعد هزيمة الدول العربية وخاصة في حرب الـ67 سادت القناعة لدى الانظمة الرسمية أن القضاء على الكيان وازالته من الخارطة عمل مستحيل، لكن في المقابل ترسخت ايديولوجيات ترتكز الى الفكر الديني -شيعية وسنية- والى الفكر القومي الفلسطيني ترى ان املها الاستراتيجي في القضاء على الكيان المحتل يمكن تحقيقه على المدى الطويل من خلال حرب استنزاف طويلة الامد… و”هذا ما نعانيه الآن، بحسب بن يشاي، من قوى ترى أن هدفها هو جعل “اليهود الجائعيون للحياة والمفسدين ينتشرون في العالم بحثاً عن مكان أكثر هدوءًا وأمانًا تحت الشمس”.
في المقابل ترسخت في دولة الاحتلال “عقليات تقف حاجزًا منيعًا امام تحقيق النصر الحاسم” على الطريقة التاريخية المعهودة ومن تلك العقليات بإيجاز: فكرة رفض قبول الخسائر بين الجنود، تسييس الامن، “قطع رؤوس” القادة الذين قاتلوا في الميدان، الحساسية غير المتناسبة لعمليات خطف الحنود، وتنامي ظاهرة تدخل الاهل في شؤون ابنائهم العسكرية حتى في الاعتراض على العقوبات واماكن خدمتهم… إلخ.
كل تلك الظواهر يرى بن يشاي انها “تطورت الى عمليات في المجتمع “الصهيوني” تلحق الضرر بالقوة الوطنية، ومن الواضح أنها تخرب قدرتنا على كسب الحروب وردع اعدائنا الذين باتوا اقدر على استغلال كل نقاط الضعف تلك”. وكل ذلك بحسب بن يشاي الذي يختم بقوله: “لن نفوز”.
كل هذه العوامل، الداخلية والخارجية وربما الدولية، تعزز فكرة عدم قدرة العدو على استعادة ميزان الردع في المدى المنظور بل تبرهن على دخول الكيان في مرحلة الانحدار “الخلدونية” التي سترسم خريطة المنطقة من دونه بشكل عاجل او آجل، بحتمية قدرية لا ريب فيها.
*النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع*