في 4 آب… نفسي حزينة حتى الموت!
اندريه قصاص -لبنان24
سجّلوا في مفكراتكم أن 4 آب من العام 2021، الذكرى السنوية الأولى لمجزرة مرفأ بيروت، سيدخل التاريخ من بابه العريض. سيدخل التاريخ، لأن جميع اللبنانيين من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، من البقاع والجبل وبيروت، أيًّا تكن انتماءاتهم الطائفية والمناطقية والحزبية، سينزلون في هذا اليوم العظيم إلى ساحة الحقيقة، وإلى حيث سقطت دماء أبرياء وروت أرض الوطن، وإلى حيث أصيب أكثر من 6000 شخص، وإلى حيث إفترش الدمار والخراب ساحة الجريمة وعلى شعاع قطره عدّة كيلومترات.
الناس سينزلون إلى مرفأ بيروت، ليس للهجرة من وطن، بل لطرد كل من لا يريد له أن تكون لهذا الوطن مكانة على خارطة الوجود المتكامل، ولوضع حدّ لتمادي الذين كانوا السبب المباشر في إيصال لبنان إلى ما وصل إليه من حالة إفلاس وفوضى وقلق على المصير والمستقبل.
ينزلون ليقولوا لجميع الذين تقصّدوا ألا يكون لبنان دولة سيدة وحرة ومستقلة إنهم مجرمون في حق الوطن.
ينزلون ليصرخوا في وجه الجميع، من كبيرهم إلى صغيرهم، بأنهم لم يبنوا وطنًا، بل مزرعة على مقاسات زعاماتهم الكرتونية، التي بنوها من عرق الشعب وتعبه.
ينزلون من أجل كل نقطة دماء سقطت في إنفجار لا تزال اسبابه مجهولة، أو بالأحرى لا يريدون أن تُعرف تلك الأسباب.
ينزلون اليوم، في هذا اليوم العظيم من حيث أهدافه ومراميه، بمئات الالآف، ليقفوا في وجه الهيمنة، وفي وجه التسلط، وفي وجه كل من يحاول أن “يقزّم” الوطن، ويجعله مطيّة لأهدافهم وأغراضهم ومصالحهم الشخصية، وفي وجه الذين أذّلوا الشعب أمام المستشفيات والصيدليات ومحطات الوقود والأفران، وفي وجه الذين لا يريدون أن تكون لهذا الوطن المعلّق على الصليب قيامة قريبة، وفي وجه الذين تجبّروا وظلموا وحكموا من دون رحمة أو عدالة.
ينزلون اليوم إلى الساحة، التي تختصر كل الساحات، وفي القلب غصّة، وفي البال ألف فكرة وفكرة تجول، وفي الذكريات، الحلو منها والمرّ، ألف صورة عن أحباء رحلوا في منتصف الطريق، وعن آخرين لا يزالون مؤمنين على رغم ما يحيط بهم من سواد بأن الغد سيكون أفضل من اليوم وأجمل من الأمس.
ينزلون اليوم ليقولوا الحقيقة التي لا يستسيغها أهل السلطة، الذين سيجدون أنفسهم في يوم من الأيام من دون سلطة ولا شعب يصفّق ويهتف لهم “بالدم، بالروح، نفديك يا…”، وسيقفون قريبًا أمام محكمة التاريخ فارغي الأيدي، ولن يحسنوا الإجابة عندما يُسألون: ماذا فعلتم بوطنكم، الذي كان مضرب مثل الأقربين والأبعدين، ماذا فعلتم بلبنان “سويسرا الشرق”، ماذا فعلتم بلنان “مستشفى الشرق”، ماذا فعلتم بلبنان “مدرسة وجامعة الشرق”، وماذا فعلتم بوطن الأرز، وماذا فعلتم بإرث أبائكم وأجدادكم؟
ما يحزن اكثر في هذا اليوم الحزين أن جميع المسؤولين يريدون أن يعرفوا الحقيقة، يريدون أن تظهر هذه الحقيقة على الملأ، يريدون أن يقول القضاء كلمته النهائية، ويريدون ألا يتدّخل أحد في العمل القضائي وفي التحقيقات الجارية.
في هذا اليوم الحزين، نفسي ونفوس الكثيرين حزينة حتى الموت.