محمد الجنون -لبنان24
عامٌ مر على كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، وحتى الآن لم تتحقق العدالةُ ، ولم يتم الاقتصاصُ من المذنبين والمتورطين والمرتكبين انتصاراً لارواح الضحايا وتضميداً لجروح المُصابين.
لقد كان واضحاً أنّ ما حصلَ في لبنان على مدى هذا العام كان كافياً للتأكيد للعالم أن ما تُسمى بـ”الدولة” لا تأبهُ لأرواح المواطنين ولا لحياتهم. فإذا كان انفجار المرفأ هو من أكبر وأضخم الانفجارات في التاريخ، فإن تعاطي المسؤولين مع هذه الكارثة هو أدنى وأوقح تعاطٍ شهدته البشرية.
لو حصلت هذه الكارثة في دولة مُحترمة – وأستبعد ذلك – لكان النظام سقط من رأس الهرم إلى أسفله، وكنا سنرى رؤساء ووزراء دخلوا السجن بسبب الاهمال والتقصير. أما في لبنان، وعلى مدى كل هذه الفترة، كانت العدالة تُدفنُ يوماً بعد يوم بسبب ضغوط السياسيين الذين لا يريدون كشف حقيقة تلك الكارثة. فالوقاحة تجلت بكل وجوهها وكل ذلك بات مكشوفاً بالنسبة للدول التي لفظت المنظومة السياسية المتواطئة ضدّ الناس والضحايا.
وإذا استعدنا قليلاً مسار التحقيقات في الانفجار، لوجدنا أن التسويف كبير والمماطلة أكبر. منذ اللحظة الأولى لم يتم استدعاء أي شخصيات كبيرة، وعندما حاول القاضي فادي صوان ذلك تم إقصاؤه. واليوم، ومع تولي القاضي طارق البيطار التحقيق، فإن مساعيه الحثيثة لكشف الحقائق واصراره على استدعاء كبار المسؤولين يكشفُ عن تورط كبير. وبنظر البيطار، قد يكون الجميعُ مشتركاً في الكارثة، كما أن الإدعاء على أي شخصية لا ينتقصُ من قيمتها أبداً، فهو ليس اتهاماً ولا إدانة.
وهنا يكمنُ بيت القصيد.. وهنا يجب أن تكون الدعوة لاستكمال مسار التحقيقات من دون أي مخاوف، ومن المهم أن تعرف الأحزاب السلطويّة أن التبخيس بالقضاء هو انقلابٌ على الذات، لأنها هي نفسها التي تضغط على القضاء وهي التي تمارس سلطة الوصاية عليه. فإذا كانت هناك شكوك بقدرة القضاء اللبناني على كشف الحقائق فالسبب في ذلك هو أنتم، لأنكم تغطون المرتكبين وتُخرجون العملاء من السجون وتتسترون على المجرمين وتلعبون دور الحماة للجناة. كيف لا والاكثرية الساحقة منكم كانت على جبهات القتال في الحرب حيث تنتفي العدالة وتطغى لغة الدم والإجرام على المشهد السوداوي القاتم.
أما المسرحية والكذبة الأكبر فبدأت عندما تهافت مناصرو الأحزاب السلطوية بعد الانفجار للملمة آثار الدمار. من أنتم أيها التابعون؟ لو خلعتم أثواب الحزبية بعد تلك الكارثة لكنا صدقناكم.. لكن الجميع أراد الاستثمار في الجريمة وأراد المتاجرة بدماء الضحايا.. وبعد كل ذلك، نرى العرقلة لمسار التحقيقات وإخفاء الحقائق.. فإذا كانت الأحزاب تغار على بيروت فعلاً، فليتقدم كل المحسوبين عليها إلى القضاء، ولتتم محاكمتهم ولتسقط كل الحصانات عنهم.. برهنوا لأنفسكم أولاً أنكم لا تؤيدون الإجرام، لأن المتستر على الجريمة يعتبر مشاركاً فيها مهما كانت صفته. وإذا كنتم تؤمنون بالعدالة حقاً كما تدّعون، فواجهوا القضاء وقدموا افاداتكم لدى القاضي البيطار .
ولكن ووسط كل هذا المشهد السوداوي، فإن ما يمدّ الناس ببعض الأمل هو مشهد انتفاضة النفوس والفكر على كل الاحزاب هذه.. فانفجار مرفأ بيروت كشفها وكشف أكاذيبها وكشف عن هشاشة النظام ككل. وبشكل أكيد، فإن انفجار مرفأ بيروت لن يمر مرور الكرام بالنسبة للدول ولا بالنسبة للمنظمات الحقوقية في لبنان والعالم، فالضغط مستمر لكشف كل الملابسات، ولا خيمة فوق رأس أحد.. فالجريمة هذه بحجم الوطن، ولن نقبل إلا بكشف كل الملابسات المرتبطة بدخول نيترات الأمونيوم إلى المرفأ وكيفية تخزينها واستخدامها، والوجهة التي كانت ستصل إليها.. لن نقبل إلا بتعليق المشانق لكل المرتكبين ومحاسبتهم.. فدماءُ الضحايا أغلى من العروش والمناصب، وأمام العدالة تسقط كل المكاسب السياسية والفئوية والانتخابية.. وليكن يوم 4 آب ثورة الضحايا..ثورة العدالة.. ثورة الحق..