سفير الشمال- عبد الكافي الصمد
جانبان أساسيان لا يمكن إغفالهما في مسألة تأليف الحكومة، داخلي وخارجي، وليس بالإمكان القفز فوقهما أو تجاهلهما، فأحدهما يكمل الآخر أو يتبعه، وخصوصاً الداخلي الذي كان غالباً وما يزال ملحقاً بالعامل الخارجي ومتأثراً به.
في الآونة الأخيرة إستغرق الجانب الداخلي الكثير من النقاش حول موضوع تأليف الحكومة، وغرق في بحر من التفاصيل الكبيرة منها والصغيرة، حتى باتت التعقيدات الداخلية مستنزفة وممّلة، وبقيت تراوح نفسها في دوامة من السجالات والتجاذبات التي لم تثمر حلولاً ولا مخارج للأزمة المستمرة منذ قرابة سنة.
غير أنّ الجانب الخارجي، وهو الأكثر تأثيراً في مسألة ولادة الحكومة من عدمها، كان يجري تجاهله أحياناً لأسباب مختلفة، في بلد إعتاد أن تكون التدّخلات الخارجية صاحبة الكلمة الحسم في أغلب القضايا الهامّة والمصيرية فيه، من إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية، وانتخاب رئيس لمجلس النواب، وتكليف رئيس لتأليف الحكومة، وقانون الإنتخابات النيابية والتحالفات الإنتخابية، فضلاً عن التعيينات في المواقع الرئيسية، وصولاً إلى الملفات المهمّة السّياسية والأمنية والإقتصادية تحديداً.
لم يعد خافياً أنّ الدول صاحبة النفوذ الأكبر في لبنان، الولايات المتحدة الأميركية وإيران والسّعودية وسوريا وفرنسا، لم تتوصل بعد إلى صيغة تفاهم معينة حول الأزمة اللبنانية، وأن نقاط التباعد بينها أكثر من نقاط التلاقي، ما أبقى ملف لبنان مفتوحاً على كلّ الإحتمالات، بانتظار إنفراج لم تلح بوادره بعد.
فالولايات المتحدة الأميركية وإيران غارقتان حالياً في بحث الملف النوّوي الإيراني، ولا يبدو أنّ إحداهما مستعدة أو تريد البحث في أي ملف آخر، كلبنان مثلاً، قبل الإنتهاء من إقفال الملف النوّوي، مع إبقاء ساحات الصراع بينهما في المنطقة، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وفلسطين ميداناً خلفياً ومتوازياً للتفاوض السّياسي.
والسعودية وإيران تجدان في لبنان ساحة صراع شديد بينهما، مثله مثل الحرب التي يشهدها اليمن منذ سنوات، حتى بات الملفان اللبناني واليمني، بالنسبة للسعودية وإيران معاً، متلازمان؛ إنفراج هنا يقابله إنفراج هناك، وإلا فإنّ التشدّد هنا سيقابله تشدّد هناك أيضاً.
يضاف إلى ذلك الأزمة المفتوحة منذ سنوات بين الرياض والرئيس سعد الحريري، والتي حالت دون تمكّن الحريري من تأليف الحكومة بعد مضي 9 أشهر على تكليفه، لأنّ السعودية ليست راضية عنه، وتسود علاقته بها قطيعة كاملة.
وبرغم أنّ سوريا إنشغلت في العقد الأخير بالحرب الدائرة فيها، فإنّه لا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاهل دورها وتأثيرها في لبنان أكثر من أي بلد آخر إقليمي ودولي، بحكم التاريخ والجغرافيا، ولأنّ علاقتها وحليفتها إيران مع أميركا والسعودية وفرنسا ليست على ما يرام، فإنّ هذا التشنّج إنعكس بدوره في لبنان تأزماً، بانتظار توافق خارجي لم يتبلور بعد.
ومع أنّ فرنسا التي كانت لها اليد الطولى في إنشاء الكيان اللبناني الحالي عام 1920 إبّان إنتدابها للمنطقة، فإنّ نفوذها وتأثيرها في لبنان تراجع بحكم تراجع دور ونفوذ فرنسا في العالم، ومع ذلك فإنّها تحاول إحياء وتعزيز هذا النفوذ من خلال المبادرة التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام الفائت، غير أنّ هذه المبادرة لم تجد حتى اليوم توافقاً وتفويضاً خارجياً وداخلياً عليها لتترجم على الأرض.
بناء على ذلك، وبانتظار “غودو” الخارج وتوافقه على حلّ الأزمة اللبنانية، فإنّ لبنان سيبقى وقتاً إضافياً من المراوحة، واستفحال أزمته، ومزيد من الإنهيارات.