حقيقة كمين خلدة وأهدافه

“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر

في استطلاع بسيط لآراء الناس ، يكتشف المرء أن ما حصل في منطقة خلدة لم يكن بمفاجأة او صدمة للناس العاديين المسلّمين بتحلّل الدولة ومؤسساتها وانعدام وهرتها ، فيما الأطراف المعنية من سياسية وغيرها، والتي توزّعت “بين يا غافل إلك الله”، وبين متواطئة تحت عناوين وحسابات مختلفة، حاولت كلٌ منها إظهار نفسها بالمنقذ والمنجّي “من الكبائر وعظائم الأمور”، خصوصاً بعد النفخ والتضخيم الذي رافق ما حدث ، والشائعات التي انتشرت بسرعة.

للوهلة الأولى يُمكن وضع أحداث السبت – الأحد في خانة السيناريوهات الأمنية التي يُحكى عنها منذ فترة ، خصوصاً أن بعض الساحات باتت مهيّأة لمثل هكذا “ميني معارك” بفعل النعرات الطائفية والمذهبية الموجودة ، والإحتجاجات اليومية على الأوضاع المعيشية ، التي شكّلت للبعض تنفيساً لإحتقان من حزب المقاومة، يُذكّر بما كانت تشهده مباراة كرة السلّة التي كان يخوضها فريق الحكمة خلال فترة الإحتلال السوري.

وخلافاً لكل ما قيل من أن الأطراف السياسية كانت واعية لمخطّط الفتنة، فإن مراجعة كلام “رامبو الحزب” رئيس لجنة الإتصالات صاحب ملفات الفساد الموعودة، وردّ نائب رئيس تيار المستقبل “الدكتور الطرابلسي” ، توحي بأن المعنيين المباشرين ، أي السنة والشيعة ، قد قررا الإستفادة مما حصل كلٌ لغاياته وحساباته ، مع مراعاة حدود اللعبة.

فما حصل على الأرض لم يكن بغير منطقي، فعندما تتقاعس أجهزة الدولة من أمنية وقضائية عن القيام بواجباتها، متكّلة على “قلب أبو ملحم الطيب” و”تبويس اللحى” بحجة الأمن بالتراضي، تاركةً الساحة لحكم الأقوياء، من الطبيعي أن يسود حكم العشيرة وقضائها و”أخذ الحق بالإيد”، بعد سنة من “اللتّ والعجن والضحك عالدقون” ، تماماً كما يحصل اليوم من مسرحيات عشية ذكرى الرابع من آب.

صحيح أن القلق من أن “يفلت الملقّ” في ظل الأوضاع الحسّاسة التي تمرّ بها البلاد، أمرٌ مشروع، ولكن الغريب أن تُحمّل تلك الحادثة كل ما حملته من تحليلات، “تكاد تقول خذوني”، بدأت مع إطلاق أبواق الممانعة العنان لخيالها، باعتبارها ما حصل تدبيراً من عمل بيت العنكبوت السعودي بالتكافل والتضامن مع “جنرال اليرزة”، مقابل أنصار “حكم العسكر” أصحاب نظرية الطابور الخامس المعلّبة والجاهزة، وبينهما من خرج خائفاً على ذكرى الرابع من آب، أن تروح في “المغليطة” من ضمن خطة مدروسة ، قبل أن تقول الحارة كلمتها ، زافةً إلى الأمة “مجاهدين “، رابطةً ما حصل بزمرة زعران امتهنت ذلّ الناس على طريق الجنوب منذ أكثر من سنتين، متناسيةً أنها “أصل البلاء” الذي يعانيه اللبنانيون منذ عام ١٩٩٠.

فهل ما حصل مفصولٌ في الزمان والمكان؟ بعيداً عن الحيثيات الضيقة لعملية الثأر، يبدو أن حارة حريك وجدت في ما حدث فرصةً ذهبيةً لاستثماره سياسياً في عملية الحل النهائي لمسألة إقفال الطريق الساحلي من قبل “ثوار الناعمة والجية ” ب”فرد زوم”، خصوصاً أن المرحلة المقبلة من محطة الرابع من آب وما بعدها ستكون حافلةً على هذا الصعيد. إذاً هي “الشحمة عا فطيرة “، لتنفيذ الخطة الموضوعة والتي سبق أن ألمح السيّد إلى خطوطها العريضة أكثر من مرّة، كما تحدث عنها “عناتر” المحور بصورهم مع أسلحتهم على الطريق.

أمّا الحديث عن كمين مُخطّط له ، فهو أمر صحيح ، ذلك أنه واضح منذ سنة أن العشائر رفضت أي تسوية تقضي ببقاء القتيل أو عائلته في منزلهم، وبالتالي لن تسمح بمرور جثته في المنطقة، مع ما رافق موكب التشييع من رايات وشعارات ومحاولة تمزيق صورة إبن ال 15 سنة ، الذي سقط السنة الماضية. أمام هذه الوقائع، تُطرح أسئلة أساسية: لو أنه كمين محكم أُريد منه إيقاع قتلى، ألم يكن عدد الضحايا أكبر مما وقع؟ أولم يكن بالإمكان تفادي ما حصل؟ ألم يكن جزءاً مما حصل، ناتجٌ عن تقصير في مكان ما؟ خصوصاً أن اتصالات سابقة حصلت مع العشائر التي وافقت “على مضض” بدخول الجثة إلى خلدة؟ الأسئلة كثيرة والتبريرات أكثر.

الكلُ ملامُ . منظومةٌ حاكمة تنازلت عن هيبة الدولة وسلطتها ب”بلاش” . أجهزة أمنية لا تنفّذ استنابات قضائية لألف سبب وسبب . قضاءٌ متقاعس عن أداء واجبه. حزبٌ يتباهى بسلاحه وبتغطيته للمطلوبين والفارين من العدالة. وعشائر “شد إيدك ولحقني”في تطبيق نظرياتها . إنها معركة “كسر عظم وروس” بين الحزب والعشائر ، بعدما بقّ النائب حسن فضل الله البحصة وكشف المستور ، مهدداً متوعّداً ، ليكون في النهاية المواطن اللبناني فرق عملة الدولة المستقيلة والدويلة “الطاحشة “على ما تبقّى، والحبل عالجرار” .

يقول المثل “الحقّ عا الطليان” ، بالأمس ووفقاً للشاطر حسن “الحقّ كان على الألبان” ، إذ أن انشغال سندبادنا بدواعشهم، سمح بأن يفلت الملقّ ، مستغيبينه بعد صولاته وجولاته في ملفات الثأر ولفّ لفّها.

Exit mobile version