دوللي بشعلاني-الديار
دخل تأليف الحكومة مسار العرقلة والتأجيل من الإثنين الى الخميس ومنه الى الإثنين، على ما يُتوقّع. هذا الأمر الذي ذكّر المراقبين السياسيين بلقاءات الرئيس المكلّف السلف سعد الحريري الـ 18 التي قام بها الى قصر بعبدا، ولم يتمكّن من تشكيل الحكومة طوال ما يُقارب التسعة أشهر. ويتّهم الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية وفريقه الرئاسي بتعطيل تأليف الحكومة، في الوقت الذي يودّ فيه الرئيس عون بدء عملية «التغيير والإصلاح» للبلاد فيما تبقّى من عهده رغم أنّه شهد الإنهيار في كلّ القطاعات، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت.
أوساط ديبلوماسية عليمة لفتت الى أنّ فرنسا التي أطلقت المبادرة الفرنسية في لبنان وتعهّد القادة السياسيون للرئيس إيمانويل ماكرون الإلتزام بها خلال اجتماعهم به في قصر الصنوبر في الأول من أيلول الماضي، يعلمون بأنّه إذا نفّذ المسؤولون هذه المبادرة ببنودها ومندرجاتها في تشكيل الحكومة العتيدة، أم لم ينفّذوها، فإنّ لا حلّ للأزمة السياسية في لبنان سوى بعقد جديد، هذا العقد الجديد الذي تحدّث عنه ماكرون خلال زيارته الثانية الى لبنان بعد انفجار المرفأ، والذي اعتقد البعض أنّه سيفرضه على لبنان فرضاً، فيما يجد البعض الآخر أنّه لا يُمكن إقامته سوى بعقد مؤتمر تأسيسي يشمل جميع قادة الطوائف والأحزاب ويلي عهد الرئيس عون.
غير أنّ العقد الجديد، تضيف الاوساط، تنوي فرنسا مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية ومن بعض الدول الأوروبية، إقامته أو إحلاله في لبنان، على مراحل، من خلال الإنتخابات النيابية أولاً، ولهذا شدّدت هذه الدول على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها في الربيع المقبل (2022)، وتحت إشراف المراقبين الدوليين والأوروبيين لتأكيد شفافيتها ومصداقيتها، ولإيصال الممثلين الفعليين عن الشعب الى المجلس النيابي.
وتعوّل هذه الدول، بحسب الأوساط نفسها، على المرشّحين المستقلّين الذين يُفترض أنّهم باتوا يُمثّلون الشعب اللبناني بشكل أكبر، لا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين من العام 2019 التي ثار فيها على كلّ الطبقة السياسية الحاكمة تحت شعار «كلّن يعني كلّن». وهذا يعني، على ما تعتقد من وجهة نظرها، أنّ الناخبين اللبنانيين لن يعيدوا انتخاب النوّاب أنفسهم أو الأحزاب السياسية التي تتحكّم بالبلد، كونها لم تفعل أي شيء لإنقاذهم من الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية التي أُغرقوا بها بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة الخاطئة طوال السنوات الثلاثين الأخيرة.
وبرأي الاوساط، فإنّه في أسوأ الأحوال إذا تمكّن الناخبون من تغيير ثلث أعضاء النوّاب في البرلمان أو حتى إنشاء كتلة نيابية من المجتمع المدني تُشكّل بين 28 و30 نائباً من أصل 128، فإنّ هذه الكتلة إذا عملت بشكل جيّد ولبّت تطلّعات الشعب يُمكنها إحداث التغيير المطلوب في النظام شيئاً فشيئاً، ومتى ازداد عدد نوّابها فإنّه باستطاعتها عندها البدء بالعقد الجديد، من خلال تعديل القوانين وتشريع قوانين جديدة.
في المقابل، تسعى الأحزاب السياسية من خلال التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة في لبنان ودول الخارج، الى شدّ عصب مناصريها ومؤيّديها. وتتحدّث في الوقت نفسه، عن أنّها لن تخسر مقاعدها النيابية بل ستعود بالأحجام نفسها مع خسارة مقعد من هنا وآخر من هناك بحسب تحالفات ربع الساعة الأخير. ولهذا، فهي لا تخشى الإنتخابات ونتائجها، من وجهة نظرها، وتجد بأنّ ما تبغيه دول الخارج لن يتحقّق، كونه لم يولد من رحم الإنتفاضة، شخصيات مستقلّة فاعلة بإمكان الشعب الإتكال عليها وانتخابها لتمثيله.
وبين هذا الرأي والآخر، لا طريق أخرى بالنسبة لدول الخارج للتغيير سوى بصناديق الإقتراع. ولهذا لا تُفكّر هذه الأخيرة، على ما أشارت الاوساط ، بإثارة مسألة إقامة مؤتمر تأسيسي كون مجرّد طرحه يخلق خلافات سياسية في البلاد، هي بغنى عنها اليوم. كذلك فإنّ جميع الأحزاب والقوى السياسية تودّ معرفة دورها المستقبلي في العقد الجديد الذي تعمل دول الخارج على أن يحصل في لبنان حتى ومن دون موافقتها، أو من خلال عقد تسوية معيّنة.
ولكن، لا يبدو حتى الساعة أنّ الأمور ذاهبة الى تسوية ما بين عون وميقاتي، على ما كشفت الأوساط عينها، كون رئيس الجمهورية لا يريد التنازل عن وزارة الداخلية التي يجد أنّها حقّ له، وأنّه لم يحصل عليها ولا في أي مرّة واحدة طوال عهده. فيما كانت وزارة الداخلية من حصّة رئيس الجمهورية خلال العهود السابقة، ولهذا لن يُوافق على مقايضتها بأي وزارة سيادية أخرى، حتى ولو كانت وزارة المال، فيما ميقاتي أيضاً يتنازل لرئيس الجمهورية عن «العدل» لكن ليس «الداخلية» كونها أصبحت بالنسبة للطائفة السنيّة خطاً أحمر لن تقبل لأحد أن يتجاوزه، كما أنّها تودّ أن تكون الأجهزة الأمنية بيدها في حال لم تحصل الإنتخابات النيابية لا في موعدها ولا بعده، ولم يتمّ بالتالي انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء عهد عون.
وتعتبر دول الخارج، على ما أوضحت الأوساط، أنّ عدم إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة، لسبب أو لآخر لن يسمح لها بتحقيق «العقد الجديد» للبنان، ولهذا تُصرّ على أن تجري الإنتخابات في موعدها لكي تتمكّن من إحداث التغيير المنشود. فإذا قرّر المسؤولون اللبنانيون عدم إجرائها خلال العام المقبل، فهذا يعني بأنّ المجلس الحالي الذي فقد 10 من نوّابه بسبب استقالة 8 نوّاب ووفاة اثنين، سيكون هو من سينتخب الرئيس الجديد للجمهورية. وهذا أمر آخر لا يُناسبها، كون المجلس الحالي تسيطر عليه القوى غير الحليفة لها.
فيما يتعلّق بالعقوبات الأوروبية التي ستستهدف أولئك الذين يُعرقلون تشكيل الحكومة، فتجد الاوساط بأنّها ستكون الورقة الأخيرة التي ستستخدمها الدول الأوروبية، كونها تشمل حظر السفر الى دول الإتحاد وتجميد أصول أفراد وكيانات، ويُحظّر بموجبها إتاحة الأموال للمدرجين على لائحة العقوبات. وربما يكون استخدامها ليس للحثّ على التسريع في تشكيل الحكومة إنّما لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها التي باتت هي الأهمّ بالنسبة لدول الخارج.