على رغم حرص حكومة مصطفى الكاظمي على التأكيد لكلّ المعنيّين أن ما جرى الاتفاق عليه في واشنطن هو سحب كامل للجنود الأميركيين من الأراضي العراقية، إلا أن تلك التطمينات لا تحجب تساؤلات كثيرة حول نوايا الولايات المتحدة في هذا البلد، والتي أنبأت ببعض منها التصريحات «النارية» الأخيرة لماثيو تولر
وفي ظلّ استمرار التشكيك في نوايا الولايات المتحدة من قِبَل المقاومة العراقية وطيف من القوى السياسية، تحرص حكومة مصطفى الكاظمي على التأكيد لكلّ المعنيّين أن ما جرى الاتفاق عليه في واشنطن هو سحب كامل للجنود الأميركيين من الأراضي العراقية، وفق ما تكشفه مصادر في الوفد الأمني العراقي المفاوِض، برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي. ويوضح مصدر مرافِق للأعرجي، في حديث إلى “الأخبار”، أنه “لن يبقى بعد الانسحاب سوى المدرّبين والمستشارين الذين طلب العراق الاستعانة بهم، مع ما يتطلّبه بقاؤهم من خدمات لوجستية ستكون بيد العراقيين”، مضيفاً أنه “سيجري الانسحاب وفقاً لاتفاق عام 2008 الذي رعى الانسحاب الأوّل للأميركيين في عام 2011، قبل عودتهم في عام 2014، من دون أيّ تعديل، وهو يشمل سحب كامل الجنود الـ2500 المتواجدين حالياً في العراق، بِمَن فيهم أولئك الموجودون في مطار بغداد، وتفكيك قاعدتَي عين الأسد إلى الغرب من بغداد، والحرير في أربيل”. وبحسب المعلومات، فإن الأميركيين يرغبون في نقل “قاعدة عين الأسد” إلى الأردن، لأنهم يرون فيه موقعاً أفضل للقاعدة بالنسبة إلى أمن إسرائيل، وخاصة في مجال اعتراض الصواريخ، بينما سيتمّ نقل “قاعدة الحرير” إلى الكويت.
ويلفت المصدر إلى أن “الإيرانيين يتّخذون موقف الانتظار لرؤية ما إذا كان الانسحاب سيحقّق مطلبهم المتمثّل في إخراج القوات الأميركية من البلاد، والذي رفعوه بعد اغتيال الشهيدَين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. وإذا تبيّن أنه فعلاً كذلك، فسيُعتبر إنجازاً استراتيجياً بالنسبة إليهم، على طريق تحقيق الهدف الأوسع المتمثّل في انسحاب القوات الأميركية من غرب آسيا، خاصة أن إيران لا تبحث عن صراع مجّاني مع الأميركيين في العراق، كما أنها غير معنيّة بحرب مع الولايات المتحدة، إلّا في معرض الدفاع عن النفس”. في المقابل، تسعى واشنطن إلى تظهير الاتفاق المُعلَن أخيراً بوصفه “إنجازاً” لها، عبر تحويل مهمّة قواتها في العراق إلى “استشارية – تدريبية”، بناءً على طلب بغداد، بما يعني المشاركة في صياغة مستقبل هذا البلد، بعد سلسلة الخيبات التي تلقّتها الولايات المتحدة، سواءً في أفغانستان أو حتى في العراق نفسه بعد فرارها منه في عام 2011، أو كذلك في سوريا.
وتستفيد واشنطن، في مسعاها هذا، من انقسام حادّ بين القوى السياسية العراقية، على خلفية الفساد والأزمة الاقتصادية المستفحلَين، حيث أرادت بعض هذه القوى إنقاذ نفسها من خلال طرح بديل “تغييري” بالاتفاق مع الأميركيين، بعد اتهام حلفاء طهران بالتسبب بتلك الأزمة. ولعلّ أوضح دليل على نيّة واشنطن الاستمرار في التدخّل، تصريحات سفيرها، في بغداد، ماثيو تولر، الذي اتهم المقاومة العراقية بأنها تهاجم “احتلالاً لا وجود له”. واعتبر تولر، في تصريح إلى عدد من وسائل الإعلام العراقية، أن “الفصائل المسلحة التي تهاجم مصالح واشنطن في العراق هي ذاتها التي تقف وراء اغتيال ناشطين عراقيين من قادة الاحتججات”، مضيفاً أن لدى الفصائل “أجندات سياسية خارجية طائفية، والعراقيون يعرفون ذلك. وبعض المجاميع المسلحة التي تسمّي نفسها مقاومة، مؤدلجة ومموّلة من الجارة إيران”.