نبيه البرجي-الديار
هؤلاء هم آلهتنا، أنبياؤنا. هؤلاء هم القضاء والقدر!
ذاك منطق الأحزاب (القبائل) في بلادنا. من ليس ظلاً لنا أو قهرمانة في قصورنا، ولو كان الخوارزمي (والآن آلبرت آينشتاين)، ولو كان محيي الدين بن عربي (والآن البابا فرنسيس)، لا مكان له في السلطة، ولا مكان له في لبنان، بل لا مكان له على سطح الأرض…
لنتصور كيف ينظر رئيس الجمهورية (وكسائر بارونات السلطة) الى الآخرين. لم ندر أي مشاغل وجودية، وأي مشاغل استراتيجية، حملته على ارجاء البحث في التشكيلة الحكومية من الاثنين الى الخميس، حتى ولو قيل أنه لا يريد حكومة تطيح بها «عواصف النار» في 4 آب، وحيث قادة مسيحيون يحرّضون عليه كونه من حال دون المحقق العدلي، والوصول الى الحقيقة. متى كان هناك مكان للحقيقة في هذه الأدغال ؟
الرئيس المكلف قال انه استند الى المبادرة الفرنسية، باعتبار أن ايمانويل ماكرون لويس الرابع عشر أوهنري غورو، والى المعايير الملائكية، في اختيار وزراء المرحلة. لا أحد يقول ان نجيب ميقاتي بمواصفات أفلاطون أو بمواصفات مهاتير محمد، لكننا لا نعرف ما هي معايير رئيس الدولة، وهو الذي، بحكم موقعه «السامي»، كما نطق الدستور، لا يفرّق بين ابنة الملك وابنة البواب.
بكل معنى الكلمة، ما خبرناه في الأشهر الأخيرة، بل في السنوات الأخيرة، أن صاحب الفخامة الذي أحاط نفسه بنافخي الأبواق، بالرؤوس، والطرابيش، المستوردة من الزمن العثماني، كان يصغي الى هؤلاء أكثر بكثير مما كان يصغي الى أنين الذين في الطبقة الدنيا من الجمهورية.
في هذه اللحظة، وهي لحظة الغضب، ما دمنا نعيش أزمنة اللهاث (حتى اللهاث وراء رغيف الخبز)، نسأل: ماذا لو كان الرئيس الحالي يمتلك صلاحيات الرئيس ابان الجمهورية الأولى، مع قناعتنا بأن وثيقة الطائف ألقت بالمسيحيين في ذلك الهولوكوست السياسي ؟
لا تسألوا الى أين كان يمكن أن يصل أنف ذلك المستشار الثقيل الظل، وكيف كان الآخرون، بلغة الببغاءات، الشائعة في كل بلاط لبناني، ينظرون الى الرعايا.
مشكلة المسيحيين، كحالة حضارية، وتكرس «عبقرية التنوع» ( بيار بورديو)، أنهم ابتلوا بذلك النوع من القادة الذين بدلاً من أن يأخذوا بكلام البابا يوحنا بولس الثاني، في الجوهر لا في الشكل، أخذوا بكلام بابوات القرون الوسطى، وحالوا دون «المجتمع المسيحي» والاضطلاع بالدور الخلاق بين الحصانين السني والشيعي اللذين يقبعان على حد السكين…
رئيس الجمهورية منهمك في الاشراف على الترتيبات الأمنية اليوم (وغداً)، وفي الاعداد للمؤتمر الدولي الخاص بمساعدة لبنان، كما لو أن الحدثين ليسا نتيجة التعفن الذي يتغلغل في كل مفاصل الدولة، وبفعل منظومة سياسية لم يعرف التاريخ مثيلاً لها في ادارة النهب العام.
يا صاحب الفخامة أنت تعلم أين لبنان، وأين اللبنانيون الآن. كل دقيقة، كل ثانية، يفترض أن تكون لخدمة الناس لا لخدمة الشخص أو لخدمة الحاشية، وتحت عنوان خدمة الطائفة.
لعلك اطلعت على ما قاله دنيس روس لقناة «فوكس نيوز. «لتكن مفاوضات فيينا، ولكن على غرار مفاوضات فيينا عام 1815 «، أي بعد هزيمة نابليون بونابرت، واعادة ترتيب الخرائط، والعلاقات، في القارة العجوز…
اذاً ماذا ينتظرنا، ومن هي الجهة التي تتركز عليها العيون الحمراء، ليعاد ترتيب الخرائط، والمعادلات، في الشرق الأوسط ؟
الصقور في واشنطن، كما في «تل ابيب»، يقولون أن ابراهيم رئيسي لن يدخل المفاوضات الا والقنبلة تحت عمامته، ما يفترض «وقائياً» تفجير ايران من الداخل، وهذا، في نظرهم، ليس بالأمر المستحيل ما دام «الموساد» قد تمكن من اختراق كل الأسوار، والاستيلاء على الأرشيف النووي الايراني الذي يفترض أن يكون قدس الأقداس بين يدي آيات الله.
بالرغم من هول الاحتمالات، والتداعيات، لا وقت للبحث في الصيغة الحكومية لدى رئيس الجمهورية الذي ما زلنا نثني على ذلك الجزء الرائع، الجزء التاريخي، من ماضيه (حرب 2006 ). وقته، الوقت الضائع، كما وقت سائر أركان القضاء والقدر. أليسوا أباطرة الطوابير؟!