معركة الرؤوس الحامية بين العشائر وحزب الله… هل تفكك المجموعات المسلحة؟
كتبت ابتسام شديد:
ما حصل في خلدة لم يكن مفاجئاً لمن يعرف ماذا يجري خلف التلال المُشرفة أو على الطريق الساحلي الذي يربط بيروت بالجنوب، والذي كان مسرحاً لعدد من الحوادث الأمنية منذ ثورة 17 تشرين .
طريق خلدة الذي وصف بمثلّث الخطر، شهد أحداثاً عدة في محطات الثورة من خلال قطع الطرق والمظاهر المسلحة بما عُرِف في حينه انه منصة لتوجيه الرسائل من السنية السياسية الى الشيعية السياسية .
في الشكل، يمكن وضع ما حدث اليوم في اطار عملية الثأر لحادثة قتل العام الماضي بعد اشتباكات مسلحة بين مجموعة مسلحة من عرب خلدة ارتبطت بإسم الشيخ عمر غصن ومجموعة من الثنائي الشيعي على أثر تعليق رايات عاشورائية في المنطقة أدّت الى سقوط قتيلين.
في الشكل، كان يمكن اعتبار قتل علي شبلي ثأراً لقتل ابن العشائر العام الماضي لولا حدوث الكمين الذي أوقَع 6 قتلى، وكان يمكن التوقف عند هذا الاستنتاج، الّا انّ تطور الوضع طرحَ تساؤلات كثيرة حول المدى الذي بلغته الأحداث في منطقة بالغة الحساسية تتداخل فيها الأحزاب والتأثيرات السياسية عشية ذكرى 4 اب، الأمر الذي طرحَ تساؤلات حول التوقيت والمغزى من ترك الامور “فالتة” في المنطقة الجغرافية التي تعتبر بوابة المقاومة الى الجنوب، خصوصاً ان الأمور كان يمكن ان تأخذ منحى دراماتيكاً أكبر .
تصف مصادر سياسية ما يجري في خلدة بأنه “معركة الرؤوس الحامية” بين العشائر وحزب الله، التي تعود الى سنوات طويلة بخلفيّات سياسية ودينية، وحيث صار ثابتاً انّ هناك مجموعات مسلحة تتخذ من خلدة مقراً لتنفيذ قطع الطرق وأعمال استَفزّت الفريق الشيعي .
يتحدث المقربون من حزب الله عن حالة شاذة تغذّيها المعارضة السورية وحلفائها في خلدة ، وسبق لـ حزب الله أن حذّر من تصرفات المجموعات المسلحة فأطلقَ أمينه العام حسن نصرالله قبل فترة تهديداً “وصلت معي لهون وبَس”، وتحدث النائب حسن فضل الله عن كمين، محذّراً “اذا لم تقم الدولة بمهامها نتكفّل نحن بذلك، والرأسمال الموضوع خمس دقائق”.
يشكّل عرب خلدة حالة مزعجة لحزب الله، فلقد وصَفهم المقربون من الحزب بالعصابات المسلحة، ويتحدثون عن مخطط لاستفزاز الحزب بدأ الاعداد له من فترة، الا انّ قيادته كانت تسكت على عدد من الممارسات وتعالج التداعيات وذيول الخلافات حتى لا تذهب الأمور في اتجاه فتنة سنية شيعية.
المشكلة تَظهّرت وتفاقمت في موضوع قطع الطريق الساحلي، ما أزعَج الحزب الذي بقي صامتاً على مضض. وبعد تهديد نصرالله واتصالات رفيعة المستوى مع قيادة الجيش وبالتنسيق بين عين التينة والمختارة، تم تحييد الطريق عن استهدافات المجموعات التي كان لعرب خلدة أدوار أساسية فيها.
أدّت الإتصالات السياسية دورها مؤخراً في فرض التهدئة، وتؤكد مصادر سياسية انّ هناك قراراً اتخذ على مستويات عالية بضبط الوضع وتسليم المتورطين ساهمَت فيه أطراف عدة، منها النائب السابق وليد جنبلاط الذي طالبَ بتسليم المتورطين، وقام رئيس اللقاء الديمقراطي النائب طلال ارسلان بمساعي لَملمة الأحداث، ورفع بيان تيار المستقبل الغطاء عن المرتكبين، وبقيت الخطوط مفتوحة بين عين التينة وبيت الوسط.
عرب خلدة على علاقة جيدة مع أطراف داخلية، وهناك عدد منهم ينتمي الى الحزب التقدمي الاشتراكي ويدور في فلك المستقبل واللقاء الديمقراطي، وهناك مجموعات موالية لبهاء الحريري، ويتحدث كثيرون عن وجود معارضين سوريين مقيمين بينهم، كما انهم على تواصل مع المملكة العربية السعودية من خلال المساعدات الإنسانية والمالية.
العرب المقيمون في خلدة سُمّوا “عرب خلدة “كونهم من سكانها، لتمييزهم عن عرب مناطق لبنانية أخرى. وهم حصلوا على الهوية اللبنانية في إحصاء 1932 وتجنّس آخرون في عهد رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 1994، مما يوثّق صِلتهم بتيار المستقبل. وبخلاف العشائر العربية الأخرى، فإنّ لعرب خلدة خصائص اجتماعية واقتصادية، فهُم يمتلكون مساحات واسعة من الأبنية المشيدة والأراضي والديوانيات والمضافات العربية، ما يعزّز حضورهم وتفاعلاتهم المجتمعية، كما انهم ناخبون مؤثرون في التوازنات.
تجاوزت خلدة قطوع الأحد، وتمضي اليوم أياماً هادئة نسبياً، حزب الله عَضّ “على جرحه” فاعتمد التهدئة، رغم سقوط 3 شهداء، لقطع الطريق امام الفتنة والسعي لتحويل لبنان ساحة اقتتال داخلي. الجيش قام بدوره كاملاً فألقى القبض على الشيخ عمر غصن ونجله، وهما من مشجعي قطع الطريق في خلدة، ولا يزال يقوم بمداهمات. وفق مصادر أمنية، إنّ السيناريو المُعَد لحادث خلدة كان خطيراً، والجيش قام بواجبه فأوقف المتورطين، وهناك قرار واضح بإنهاء الفلتان الأمني والظواهر المسلحة على الطريق الساحلي والجوار.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع