وفي اللقاء الرابع خرج الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي متجهماً بعد لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون. هذا اللقاء الذي كان ينتظر أن يشهد حلحلة لعقدة الوزارات السيادية فجّر موجة التفاؤل التي حاول ميقاتي منذ تكليفه ترويجها. ميقاتي الذي حاذر الحركشة بوكر الدبابير بدا بعد خروجه من الإجتماع الذي دام 25 دقيقة وكأن وكر الدبابير فاع به وأصابه بلسعات كثيرة إلى الحد الذي جعله يوجه رسالة متشائمة وفيها أن مهلة التأليف محدودة “واللي بدو يفهم يفهم”، متحدثاً عن “اجتماع خامس يوم الخميس بسبب انشغال الرئيس غداً”.
الأجواء التي تسربت عن اللقاء أوحت بأن ميقاتي كاد ان يعتذر بعده وأنه ربما أجل الإنتكاسة السياسية تفاديا لردود الفعل يوم 4 آب ولأنه لا يريد أن تتزامن أيضا مع مؤتمر دعم لبنان الذي تعد له باريس في المناسبة نفسها. فهل يكون الخميس يوم الهروب من المهمة بعدما بدا أن حرارة اللقاءات نزلت إلى ما تحت الصفر وأن المحادثات بين الرئيسين تشبه مقولة “دق المي مي” نظراً لتشبثهما بمواقف لا يريدان التزحزح عنها.
هذا التشاؤم المفرط ظهر أيضا في تسريب مصادر قريبة من قصر بعبدا معلومات تحدثت فيها عن المداورة الشاملة في كل الحقائب الوزارية تطبيقا للمبادرة الفرنسية الأمر الذي ربطه البعض بالإعتراض أيضا على بقاء حقيبة المالية مع الطائفة الشيعية. وقالت هذه المصادر “ان تمسك بعض الاطراف بحقائب محددة، يتناقض مع المبادرة الفرنسية التي اتفق عليها بعد طرحها من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي تدعو في أحد ابرز نقاطها الى اعتماد المداورة الشاملة. ورأت هذه المصادر ان تجاهل المداورة خلق اشكاليات في مسار تشكيل الحكومة ما يؤخر ولادتها.
وذكّرت المصادر بأن الصيغة الاولى للتشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس سعد الحريري، اعتمدت مبدأ المداورة ما عدا المالية، فاعطى الخارجية لدرزي، والداخلية للروم الارثوذكس، واقترح وزيراً ارمنياً للدفاع، اضافة الى تغيير في وزارات اخرى. الا ان الامر تغير في الصيغة الثانية للحكومة التي قدمها قبل ان يعتذر. واعتبرت المصادر نفسها ان التزام المبادرة الفرنسية يفترض بالتالي احترام بنودها وفي مقدمها مبدأ المداورة الذي يشكل حلاً طبيعياً للاشكالية القائمة حول تأخير ولادة الحكومة”.
وما اعتبرته مصادر بعبدا التزاما بالمبادرة الفرنسية اعتبره ميقاتي حركشة بوكر الدبابير وهذا يعني أنه غير قادر على التنازل أمام الرئيس عون الأمر الذي يعني أن ميقاتي قد يصل سريعاً إلى النهاية التي وصل إليها الحريري.
يحصل كل هذا الإنهيار السياسي بينما يحاول الجيش اللبناني تجميد عملية الإنهيار الأمني بعد حوادث خلده الأحد واحتواء وكر دبابير آخر أدى إلى سقوط قتلى من حزب الله. لقد نجح الجيش في حصر التوتر وفرض بانتشاره الأمن في المنطقة ونفذ عمليات دهم واعتقال طالت عدداً من المشاركين في أحداث الأحد. وفي موقف لافت اختار العماد جوزف عون أن يرد من حاصبيا على حملة الإفتراءات التي طالت الجيش ودوره قائلا: “إن المؤسسة العسكرية ماضية في الدفاع عن أمن الوطن واستقراره مهما غلت التضحيات، ومستمرة في حماية شعبها وتحصين السلم الأهلي، ولا نأبه ببعض الأصوات الشاذة التي تحاول حرف الجيش عن مساره، ولا بانتقادات او اشاعات، بتنا نعرف خلفياتها”.
العماد عون وجّه التحية الى كل الشعب اللبناني، “الذي يثبت يوماً بعد يوم محبته للجيش وثقته به. هذه الثقة هي مصدر قوتنا. ثقتكم أنتم، كما ثقة المجتمع الدولي الذي يؤمن بأن الجيش هو العمود الفقري للبنان وهو ركيزة بنيان الوطن”. هذا الموقف يأتي بعد محاولة تحميل الجيش مسؤولية التقصير في ضبط الأمن في خلده واتهامه بأنه تدخل بعد حصول الإشتباك بينما كان عليه أن يمنعه ويتحسّب له من دون الأخذ بالإعتبار مثلاً سبب توجه موكب تشييع علي شبلي إلى منزله في خلده وهو كان ابتعد عنه بالإتفاق الذي أنهى ذيول اشتباك آب 2020. وسألت مصادر متابعة عما إذا لم يكن باستطاعة “حزب الله” أن يمنع مثل هذا الأمر وهو يدرك التوتر الحاصل بعد عملية قتل شبلي وبالتالي لا يمكن تحميل المسؤولية للجيش ولا يمكن القبول بتوجيه الرسائل له لأن الجيش لا يعمل لمصلحة طرف ضد آخر وهو ليس شرطة محلية ولا يتحرك إلا بما تقتضيه الإعتبارات الأمنية وفقا لتقديراته ولسهره على الأمن ولقدراته مراعياً الإعتبارات التي تتحكم بالشارع منذ ثورة 17 تشرين التي فرضت عليه تحديات كبيرة.
في ظل هذا الإنهيار على الجبهة الحكومية بدأ العد العكسي لإحياء الذكرى السنوية الأولى بتفجبر مرفأ بيروت. في هذا الإطار كان لافتاً البيان الذي صدر عن قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار وفيه نفي لخبر زيارته قصر بعبدا ولقائه مسؤولين سياسيين وأمنيين فيه. وكان لافتاً أيضا التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية واتهمت فيه السلطات اللبنانية بأنها تعرقل بوقاحة الوصول إلى الحقيقة وبأنها أقالت المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان وتمنع القاضي طارق بيطار من الوصول إلى كشف الحقيقة.
وكان لافتاً أيضا كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في احتفال أحيته القوات في بيروت أكد فيه أنه إذا استمرت عرقلة التحقيق العدلي فإن التحقيق الدولي سيكون الخيار البديل. وتوجّه إلى “المسؤولين عن انفجار المرفأ، إهمالاً أو فعلاً، شراكةً أو تواطؤاً”، قائلاً: “مهما تهربتم، ومهما تحورتم، ومهما تنصّلتم، ومهما تبرّأتم، ومهما حاولتم عرقلة العدالة، وحياة يللي راحوا، رح تتحاكموا”. ودعا جعجع اللبنانيين إلى عدم اليأس والتحلي بروح الصمود والذهاب إلى “إنتخابات نيابيّة في أسرع وقت ممكن، إنتخابات لا نخشى فيها أحداً ولا يهمّنا منها إلّا إيصال الصوت التغييريّ الصوت النّظيف الصوت السّياديّ الحرّ للخلاص من الطّغمة المتحكّمة وبدء مسيرة الإنقاذ”.