ميقاتي محاصر بإستقالة و قرار عزل
وضع “التيّار الوطني الحر”ّ إستقالة ممثليه من النواب في البرلمان على الطاولة ، وترك شأن التفاوض حول الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ليكون “التيار” بذلك قد ربط استقالته من البرلمان بمصير حكومة لن يشارك في تكوينها.
ثمة من يعتقد، أن “التيار” يتخذ من موضوع تهديده بالإستقالة من مجلس النواب “مادة ابتزاز أو تحفيز” لدفع الآخرين نحو تأليف حكومة سريعاً، وهذا جيد، إنما السيء هو احتمال أن يكون يضغط من أجل إنجاز حكومة تشبه التصورات التي وُضعت زمن وجود الرئيس سعد الحريري في التكليف.
قبل ظهوره الإعلامي وخلال “العشاء الاخير” على مائدة رئيس الحكومة المكلّف توّاً نجيب ميقاتي، خلص رئيس “التيار” جبران باسيل إلى وضع لاءات ثلاث: لا تسمية، لا مشاركة، لا ثقة (مبدئياً)، وكأنه يقول للمكلّف الوافد حديثاً، أنه في حلٍّ من أمر الحكومة. تفهّمه نجيب ميقاتي، رغم أنه لم يستسغ كلامه لعلمه بطبيعة حضور الرجل في وجدان بعبدا. مع ذلك استأنس إلى كلامه وإلى كلام الرئيس من بعده بصفته وصياً على الحصة المسيحية في الحكومة العتيدة طالما أن القوى الثلاث المسيحية وهي “القوات اللبنانية”، و”التيار” و”الكتائب”، أعلنت تمنّعها عن المشاركة.
مع ذلك، لا يمكن إغفال حضور باسيل أو إعفائه من مسؤولية التأثير على وضعية تأليف الحكومة الآن، لسبب أن رئيس الجمهورية وفي مناقشته لرئيس الحكومة المكلف، ينطلق من أسس حكومية وُضعت إبّان تولي سعد الحريري ورشة التأليف والتي لم تكن معزولة سابقاً عن مفاهيم باسيل ، وترسّخت مع عامل الوقت حتى غدت ثوابت، تماماً كما ينطلق رئيس الحكومة المكلّف -وفقاً لما يظهر- من ثوابت، كان قد وضعها الحريري بدوره. تُصبح المسؤولية أعظم حين يلمّح رئيس “تكتل لبنان القوي” إلى الإستقالة من مجلس النواب، حين ذكر” بأنها شي مش منيح لا لإلنا ولا للبلد ولكن ما حدا يفكر فيو يحرقنا و ما نحرقو..” العبارة المفتاح التي وردت في ختام الحديث.
في الواقع، يغدو الرئيس المكلّف وبشهادة أكثر من معني مباشرةً في التأليف، “أسير” نادي رؤساء الحكومات السابقين الاربعة ومعاييرهم الموضوعة سلفاً، كمثل رفض مبدأ “التنازل” لصالح ميشال عون، وهو مبدأ مطّاط لا معايير واضحة له ويُفسّر على هوى من ابتكره. وفي جانب آخر، يزيدون من تطويق ميقاتي ومحاصرته ببنود “تكبح قدرته” على الحركة تحت شعار أن الخروج عن “شورهم وما أتمّه من اتفاقات معهم، يؤدي إلى خسارة كبرى”، وعبارة الخسارة هنا ترد من خلفية التهديد بالعزل.
في المقابل، فإن “تصور الاستقالة” التي ما برح “التيار” يلوّح بها، تمثل عملياً جانباً من فرض الحصار على المكلّف. فصحيح أن “التيار” أعلن عدم المشاركة في الحكومة العتيدة، لكن ذلك لا يعني انتفاء تأثيره ضمن المعادلة. وللحقيقة، إن “التيار” أنجز “قضية الإستقالة” قبل مدة من الآن، وكان في وارد الإقبال عليها لولا تدخل “حزب الله” لكبحه، وقد نجح. حينذاك، وعد باسيل بأنه في وارد التجميد وليس الإلغاء المتروك بنظره كـ”خطوة مطلوبة” لتحريك الوضع الجامد. الآن تعود الإستقالة من جديد تحت شعار “إحداث خضّة إيجابية”، وهذه المرة التصور أكثر ثقلاً وقائم على أن العجز عن تأليف حكومة بعد 3 عمليات تأليف لـ3 شخصيات مختلفة على التوالي يمثل “أزمة نظام”، أمرٌ يستدعي إجراء “تصحيح شامل”. وفي حال فراغ ميقاتي من مهمته من دون تأليف كما يأمل، فإن الإستقالة ستكون خيار “التيار” المقبل.
بمعزل عن كل ذلك، ثمة جمودٌ بدأ يعتري ملف تأليف الحكومة ولو أن اللقاء الثالث بين الرئيسين عون وميقاتي، سجّل إيجابية يُفصح عنها إعلامياً. عملياً، مسألة الإيجابيات التي “تسبح” في الهواء الطلق من جراء تسريبات أهل الشأن، ليس من الضروري أن تكون عاملاً يفيد التأليف أو عامل ثقة على الأغلب، إذ قد تتلاشى تلك الثقة خلال سريان عامل الوقت إن جرى “مغط” المسار، وغالباً قد تتحول إلى عامل مؤذ. كذلك فإن تعدد الإجتماعات والمناقشات من دون أي تطور إيجابي يُركن إليه أو إضافة مؤثرة يجري توظيفها في منسوب “كبح الإنهيار”، قد يفرّغ مضمون النقاشات من أساسها الصلب ويحيلنا إلى اجتماعات من دون فائدة تُذكر، وهو الخطير في الأمر الذي ق تطغى سلبياته على المسار.
مثّل ذلك ، أحد أوجه الشك في تطورات الأيام الماضية، والتي زادها تجميد زيارات بعبدا و تأجيل المشاورات حتى نهار الإثنين المقبل، وهو ما يوحي أن ثمة أمورٌ “مش راكبة” مبدئياً، وإن استمهال الرئيس، ولو أنه أمرٌ يعود من صلب حقه، وفي ظلّ وضع غير طبيعي سياسياً واجتماعياً كالذي نعيشه، يصبح حمّال أوجه، وفي حالة مماثلة يسود الظن من أن الرئيس يدرس الأمر مع مستشاريه ويحيل موقفه إليهم.
أمرٌ من هذا قبيل، إضافة إلى تأخر تأليف حكومة وُضعَ أجلٌ مبدئي لها في مستهل التأليف، يعطي انطباعاً أن ثمة عقدٌ مانعة لولادة الحكومة والأخطر أنها قد تكون من النوع العصيّ عن الحل. الأسوأ أن ثمة مشاعر تنبت حول انعكاسات “نزاع الحصانات” الذي يعطي صورةً على نزاع إسلامي – مسيحي، على ملف تأليف الحكومة من زاوية السباق على وزارة الداخلية المؤثّرة ضمن هذا المسار وغيره خلال المرحلة المقبلة، وتكاد تكون العقابات مشابهة لما توقف عنده البحث إبّان مرحلة الحريري، وهذا يمثل ما فوق الأسوأ تبعاً للإستعصاء غير القابل للحل، ولو أن أجواء بعبدا توحي بإيجابية وأن الرئيس يلاقي المكلّف في منتصف الطريق مؤكداً على رغبته في إنجاز حكومة سريعة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع