عاد الهدوء إلى جبهة درعا البلد، بعد أقلّ من 24 ساعة من التصعيد العسكري، الذي استهدف في الأساس تثبيت اتفاق التسوية الذي فشل تطبيقه قبل يومين. لكنّ التصعيد اتّخذ منحًى مغايراً أكسب المجموعات المسلحة أوراق قوة ستستخدمها في المفاوضات التي ستُستأنف قريباً بوساطة روسية، في ظلّ تشديد حكومي سوري على أن الخيار العسكري يظلّ وارداً، خصوصاً إذا ما تعثّر تنفيذ الاتفاق مرّة أخرى
مع ذلك، لم تكن الحشود السورية في محيط درعا البلد تستهدف الاستعراض العسكري فقط، إنما بدت واضحة، من خلالها، نيّة الجيش إعادة السيطرة على درعا البلد، التي تحوز أهمية رمزية بالنسبة إلى المسلحين، كونها شهدت خروج أولى التظاهرات الكبرى في البلاد من جامع العمري عام 2011. وبعد سلسلة من الاجتماعات غير المجدية التي تبعت الفشل الأوّلي لتنفيذ الاتفاق، اتّخذت الأحداث منحىً تصاعدياً، بدأ بقصف نفّذه الجيش على نقاط تمركز قنّاصة المسلحين ومرابض الهاون التابعة لهم، ليتحرّك مسلّحو الريفَين الغربي والشرقي لدرعا، إثر ذلك، ضدّ الحواجز الأمنية والعسكرية المنتشرة هناك، ويسيطروا على عدد كبير منها، ويقتلوا 5 عسكريين على الأقلّ، ويأسروا أكثر من 85 آخرين في حصيلة أوّلية، من دون الإبلاغ عن حالات تصفية أو إعدامات جماعية. في المقابل، نجح الجيش السوري في التصدّي لهجمات أخرى قُتل على إثرها القيادي البارز في الفصائل المسلحة، معاذ الزعبي، وعدد من مرافقيه.
وتسبّبت المعارك التي بدت مشهداً مقتطعاً من الحرب الطويلة التي شهدتها البلاد، بموجة نزوح كبيرة لأهالي درعا البلد باتجاه الأحياء الخاضعة لسيطرة الجيش. وكانت تسير عملية إخراج المدنيين بشكل طبيعي، إلى أن سقطت قذائف صاروخية أطلقها المسلّحون على مسار خروجهم، ما أرغم عناصر “الهلال الأحمر” على سحب نقاطهم، وتسبّب بسقوط ضحايا مدنيّين. لكنّ القوّات السورية واصلت عمليات الاستهداف في قلب درعا البلد والمخيم وطريق السدّ، ليردّ المسلّحون بإعلانهم انطلاق “معركة الكرامة”، وفق ما اعتادوا عليه في تسمية كلّ حملاتهم. وفي أعقاب ذلك، حاول المسلّحون إظهار ميل الكفّة العسكرية إليهم، من خلال نجاحهم في قطع طريق دمشق ــــ عمّان عبر الإشراف الناري المباشر من موقعيَ صيدا وأم المياذن، اللذين يبعدان كيلومترات قليلة عن المنفذ الحدودي في نصيب، ما أجبر شركات البضائع والشحن الدولي على إخلاء موظفيها، وأدّى إلى توقّف حركة العبور باتجاه الأردن، الذي أعلن بدوره إغلاق معبر جابر حتى إشعار آخر.
من جهتها، ركّزت “اللجنة المركزية” المفوّضة من قِبَل المسلحين، خلال اجتماعاتها مع ممثّلي الدولة، على “ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، والشروع بشروط جديدة للمفاوضات على وقع التطوّرات الأخيرة في الأرياف”، بعدما اكتسبت أوراق قوّة جديدة تَوّجتها بإعلان لجنة أخرى منبثقة عنها تتحدّث باسم درعا البلد والأرياف، ما يشي برفع سقف المطالب. وفي هذا السياق، يؤكد رئيس “لجنة المصالحة” وأمين فرع “حزب البعث” في محافظة درعا، حسين الرفاعي، لـ”الأخبار”، أن “الدولة السورية ستُنهي ملفّ درعا، إمّا سياسياً أو عسكرياً”، معتبراً أن “وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه ليل الخميس ـــ الجمعة، فرصة لزيادة وتيرة المناقشات مع اللجنة المركزية، والتوصّل لحلّ شامل، ودخول الجيش إلى درعا البلد، وإطلاق سراح العسكريين الأسرى، وإخراج المسلحين الرافضين للتسوية إلى الشمال”. وبالتوازي مع ذلك، دخلت الوساطة الروسية بقوّة، عصر الخميس، على خطّ المعارك لتطلب وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، وسط اتهامات طاولت “اللواء الثامن” المدعوم روسياً بقيادة أحمد العودة، بـ”تغطية الهجمات على نقاط الجيش في ريف درعا”. وهنا، يلفت عضو مجلس الشعب عن درعا، خالد العبود، لـ”الأخبار”، إلى أن “الروس حَموا هذه المجموعات المسلّحة، وأعطوها غطاء عاماً، وعوّلوا عليها كطرف صادق في تسوية 2018، من دون أن يكونوا على دراية كاملة بطبيعة هذه الجماعات ونواياها في درعا”.
ووفق المعطيات الحالية في درعا، يمكن القول إن الخيار الراجح الآن عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد الأخير، مع معالجة نتائج المعارك، عبر استعادة الجيش حواجزه التي خسرها، والشروع في التفاوض من جديد على إتمام تنفيذ الاتفاق بصيغته القديمة، أو بصيغة معدّلة يتفق عليها كلا الطرفان. لكن، يبقى الخيار العسكري مطروحاً في حالات يحدّدها مصدر عسكري جنوبي، تحدّث إلى “الأخبار”، بما يلي: “استمرار هجمات المسلحين في الأرياف، وتهديد التشكيلات العسكرية والمواقع الاستراتيجية المنتشرة في عمق محافظة درعا، أو فشل تنفيذ الاتفاق مرّة أخرى وانهيار المفاوضات”