ما دور جماعة الإخوان في لَمّ شَمْل سُنَّة لبنان؟ (2/3)
مازن الحجّار.
الاسم ليس معروفاً في الأوساط الشعبية السُنّية. حتى في إقليم الخروب، حيث تقع بلدته شحيم، بعض الناشطين القدماء فقط يعرفون القليل عنه. يقول أحد الإعلاميين في الإقليم إنّه كان مع “الجماعة الإسلامية” في مطلع شبابه، مثل الكثيرين من أبناء قريته، ثمّ قيل إنّه انتسب إلى “حركة التوحيد” التي كان يرئسها الشيخ سعيد شعبان في مدينة طرابلس. ويُروى أيضاً أنّه أُصيب خلال انتسابه إلى تلك الحركة من دون أن تُحدَّد مناسبة هذه الإصابة، أكانت خلال التدريب أو خلال مواجهة عسكرية في الشمال أو الجنوب.
الرجل المجهول في الأوساط الشعبية تعرفه جيّداً أوساط الجمعيّات والحركات الإسلامية. ونائب تيار المستقبل الدكتور مصطفى علّوش عندما يتحدّث عنه يصفه قائلاً: “الحاج مازن”. أمّا هو فقد قدّم نفسه إلى القيادات السنّية على أنّه تخرّج في أحد المعاهد البريطانية المتخصّصة بالأمن، ومستشارٌ أمنيٌّ للعديد من المؤسسات الدولية والشخصيات العربية الخليجية. وبدا لافتاً تخصيصه صفحتين، في مقدّمة ملفّ الإعداد لوثيقة إعلان المبادئ لمبادرته، من أجل التعريف بنفسه، تحت عنوان “لِمَن لا يعرفني”. فيقول: “عملت في المجال الاستشاري في أحد مراكز صناعة القرار في بريطانيا…”. ويضيف: “لي علاقات (بحكم اختصاصي ووظيفتي) بمؤسسات “صناعة قرار”، وبأصحاب قرار رسميين، وقيادات سياسية، ومَن على رأس الهرم… ما يربطني بهؤلاء من صلات “غير مشبوهة” (و”غير تقليدية”) هو بعيدٌ كلّ البعد عن صفات “الارتهان” أو التملّق… لقد سبق أن وعدت بألّا يرى وجهي وألّا يسمع صوتي أحدٌ من العامّة وعلى أيّ وسيلة إعلامية، أمرئية كانت أم مسموعة… وها أنا أجدّد وعدي هذا أمامك، وليكن ذلك بيدك في وجهي (دائماً) عندما ترى منّي يوماً ما ينقض وعدي أو يتناقض مع ما أقول”.
مازن الحجار لم يكن أحد يعلم عنه شيئاً قبل ثلاثة أعوام حتى قدِم من بريطانيا، وجال برفقة بعض الناشطين السُنّة على قيادات سياسية سُنيّة وشيعية بمن فيها قيادات في حزب الله، طارحاً فكرة “توحيد الصفّ الإسلامي”، سُنّةً وشيعةً. فالتقى الكثيرين وتحاور معهم، والكلّ أبدى الترحيب، إلا أنّ أيّة خطوة عملية لم تُبصر النور.
وعن تلك المرحلة يقول الدكتور مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل لـ”أساس”: “الحاج مازن بدأ حراكه منذ سنتين أو ثلاث سنوات ضمن إطار لَمّ شَمْل الصف الإسلامي، سُنّة وشيعة، وتواصل مع حزب الله بالفعل، لكنّه عندما رأى أنّ الانفتاح ليس من أهداف الحزب، بل هدفه هو رفع ولاية الفقيه، قرّر إيقاف تحرّكه والتفكير في تحرّك آخر”.
فيما يُعرّف الحجار نفسه هذه المبادرة، فيقول لـ”أساس”: “هذه المبادرة مهمّة جداً من حيث التوقيت، لأنّني أرى من باب اختصاصي أنّ الطائفة السنّية في لبنان يُراد لها على مستوى الداخل والخارج أن تبقى ساحة فوضى خلّاقة عبر التهميش والقهر وكلّ الممارسات التي تُمارس اليوم بحق سُنّة لبنان. إنّ ترتيب البيت السُنّي هو خدمة لشريك ساحتك أوّلاً، وهذا ما نحاول إفهامه لشركاء الساحة، ولكن لا تزال بعض الأطراف معترضة”.
ويذهب الحجّار بعيداً: “أستطيع القول إنّ ترتيب البيت السُنّي يحدث على المستوى الإقليمي ما بين السعودية ومصر والإمارات من جهة، وتركيا من جهة أخرى، لضمان مصلحة الجميع، إلا أنّ الأمر لا يخلو من بعض المعرقلين لهذا المسعى”.
بعد ثلاث سنوات على اتصاله بحزب الله والقيادات الشيعية، قام مازن الحجار بتدوير مبادرته، بالتعاون مع عمر المصري، نجل الأمين العام السابق لـ”الجماعة الإسلامية” (الإخوان المسلمين في لبنان)، فباتت مبادرة لِلَمّ شمْل سُنّة لبنان بعدما كانت مبادرة لِلَمّ شمْل السنّة والشيعة في لبنان، وبدأ الحراك بهذا الاتجاه، فتمّ التواصل مع أربعة أطراف سنّية، وهي:
1- تيار المستقبل عبر الدكتور مصطفى علوش، الذي قدّم ورقة بصفته نائباً لرئيس التيار (ورقة علوش مرفقة بآخر المقال). يقول علوش لـ”أساس” عن هذه المبادرة والورقة التي قدّمها تحت شعار”لمّ الشمْل السنّي” إنّها “مبادرة وسعي إلى إيجاد خيارات يتّفق عليها السنّة بشكل عامّ لتفادي أن يتّبعوا أيّ معادلات قائمة. يقف خلف هذه المبادرة الحاج مازن باندفاع شخصي وقراءات خاصة به من أجل الحفاظ على حقوق الناس. في هذه المرحلة، بدأنا التفكير في كيفية التجمّع في وحدة واحدة”.
ويضيف الدكتور مصطفى علوش: “قدّمت ورقة باسمي كنائب رئيس تيار المستقبل، لكنّني لم ألزم أيّ أحد بها. تقوم ورقتي على الطرح نفسه، وفيها رؤية المبادرة. هي تنظر إلى المخاطر الموجودة، وتشير إلى حاجتنا إلى التشاور من أجل وضع رؤية مشتركة والتفاهم على خطوط عريضة بالنسبة إلى كيفية مواجهة المخاطر القائمة”.
2- حزب الاتحاد: تواصل الحجار والمصري مع حزب الاتحاد، فالتقيا رئيس الحزب النائب عبد الرحيم مراد الذي رحّب بالمبادرة، وكلّف نائبه في الحزب المحامي أحمد مرعي باللقاء معهما. وهو ما حصل بالفعل، فقدّم حزب الاتحاد عبر المحامي مرعي رؤيته مكتوبةً (ورقة مرعي مرفقة بآخر المقال). وقد أكّد فيها على الهوية العربية والإسلامية، وضرورة تعهّد كلّ الأطراف بالابتعاد عن لغة التخوين في سياق الاختلاف السياسي. إلا أنّ حزب الاتحاد سأل الحجار والمصري عن سبب تغييب جمعية المشاريع (الأحباش) عن هذا النقاش، فجاء الجواب أن لا نيّة للتحاور معهم، وهو ما دفع حزب الاتحاد إلى التحفّظ على ذلك.
3- تيار العزم: التقى الحجار والمصري رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي تشير أوساطه إلى أنّ اللقاء اقتصر على الحجار دون المصري، وأنّ الحجار اجتمع مع شباب من تيار العزم في طرابلس في ورشة حوار. وانتهت الأمور عند هذا الحدّ، خاصة أنّ الحجار لم يلقَ تجاوباً من الكوادر الطرابلسية. وتنفي أوساط تيار العزم، على عكس ما يرويه الحجار، تقديمها أيّ ورقة إليه تحتوي اقتراحات التيار في مسألة لَمّ شَمْل الصف السُنّي (ورقة تيار العزم مرفقة بآخر المقال وقدّمها مستشار الرئيس ميقاتي عبد الرزاق القرحاني).
4- الجماعة الإسلامية: في كلّ اللقاءات، أعلم الحجار كلّ مَن التقاهم أنّه تسلّم من الجماعة الإسلامية رسالة مكتوبة تتضمّن رؤيتها للأمر (ورقة الجماعة الإسلامية مرفقة بآخر المقال وقدّمها القيادي في الشمال إيهاب نافع).
على خلفية هذه المشهدية الشاملة، أسئلة مشروعة تفرض نفسها:
– ما علاقة الإخوان المسلمين بحراك الرجليْن؟
– ما حقيقة أنّ ما يقومان به لا علاقة له بالجماعة الإسلامية كما صرّحوا أمام العديد من الشخصيات التي التقوها؟
– لماذا استبُعد المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان عن هذه المبادرة؟
يقول الدكتور علوش لـ”أساس”: “الكلام عن علاقة مازن وعمر بالإخوان المسلمين، أي الجماعة الإسلامية، هو كلام غير صحيح. فحجم الجماعة الإسلامية لا يسمح لها بمبادرة من هذا الحجم. مازن ليس من الجماعة الإسلامية، فيما ينتمي عمر المصري إلى الجماعة. وهذا أمرٌ مؤكّد”.
أمّا عن العلاقة مع الإخوان المسلمين، يقول الحجار إنّ “الكلام الذي يدور حول الجماعة الإسلامية والإخوان غير صحيح، وهو كلام لبناني، إن صحّت العبارة، حيث لا صحة له مطلقاً. لقد جلست مع العديد من الأفرقاء، وكنت أوّل شخص بالمقاومة الإسلامية، ودرست في مدرسة “الفرير” 14 سنة، وكنت كل نهار أربعاء أدخل إلى الكنيسة أصلّي. خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي، كنت أوّل من حمل السلاح مع المقاومة الإسلامية، وبمبرّرات أفتخر بها أمام الغرب، وليس لديّ ما أخفيه، بل أفتخر بكلّ محطات حياتي. كان عمري 20 سنة عندما هاجرت، وبقيت في الخارج 30 سنة. لم أدرس عند أيّ شيخ، ليس تهجّماً على المشايخ، ولكن لديهم مشكلة في تركيبتهم، وليس الحقّ عليهم بل على سياسات المؤسسات الدينية”.
ويضيف: “لا علاقة لي مطلقاً بالجماعة الإسلامية أو الإخوان المسلمين أو أيّ حزب آخر. أوراقي مكشوفة أمام الجميع وأمام الأجهزة الأمنيّة”.
وحول استبعاد دار الفتوى والمفتي عن هذه المبادرة، يقول الحجار لـ”أساس”: “مَن اتصلت بهم رحّبوا. وأنا أؤيّد أن تكون دار الفتوى معنا. وقد سمعت الكثير من الملاحظات على هذا الموضوع. لكن هذا عمل الشباب. وبعد إعلان المبادئ، من المؤكّد سيتمّ الاتفاق مع دار الإفتاء لتبنّيها”.
من جهته، نجل الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية عمر المصري قال لـ”أساس”: “واقع البيئة السُنّية هو واقع مأزوم، وهذا الأمر لا يخفى على أحد. محاولة الدكتور مازن الأخيرة ليست الأولى، فقد تكرّرت المحاولات كثيراً. أنا على المستوى الشخصي لا أمثّل الجماعة الإسلامية مباشرة في هذا الحراك، وانخراطي في هذه المبادرة سببه علاقتي بالدكتور مازن وغيرتي على مصالح طائفتنا. فأنا لا أمثّل الجماعة بشكل رسمي”.
وأضاف: “المبادرة طرحها الدكتور مازن، وتتلاقى مع طروحات وأفكار الجماعة الإسلامية، وناقشتها الجماعة مع الدكتور مازن. وقد واكبت كل الخطوات وباركتها وقدّمت كل ما تستطيع لإنجاح هذه المبادرة. الجماعة واكبت كل الخطوات التأسيسية، إلا أنّ مشاركتي أنا شخصيّاً لا علاقة لها بالجماعة”.
غداً في الحلقة الثالثة: “عامية عائشة بكّار”: للإجماع على الاعتذار
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع