بعد الانتِصار الكبير.. حركة طالبان تنضم رسميًّا إلى الحِلف الروسي الصيني ضدّ أمريكا بتَحريضٍ باكستانيّ.. فما هو المُقابل؟
أكثر ما يُقلِق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه الأيّام أمران رئيسيّان: الأوّل هو أن تُعلِن حركة طالبان قِيام إمارتها الإسلاميّة وتَنفرِد بالحُكم في أفغانستان فور اكتِمال انسِحاب القوّات الأمريكيّة، والثّاني تدشين علاقات تحالفيّة قويّة مع الصين جارتها الشرقيّة، وتتحوّل إلى قاعدةٍ لها، أيّ الصين، في وسَط آسيا على أنقاض الهزيمة الأمريكيّة.
هذا القلق الأمريكي بلَغ ذروته عندما قام وفد من تسعة أشخاص رئاسة بارادار أخوند مُفاوض الحركة ونائب رئيسها بزيارة العاصمة بكين الأربعاء والتقى وزير الخارجيّة الصيني وانغ يي، ومسؤولين آخرين، أمنيين وسياسيين في الحُكومة الصينيّة.
أفغانستان تُعتَبر “سُرَّة آسيا” بسبب موقعها الاستراتيجي، حيث لها حُدود بريّة مع سِت دول هي: باكستان والصين وطاجيكستان وأزبكستان وتركمنستان وإيران، وتُشَكِّل قبيلة البشتون التي تنتمي إليها حركة الطالبان ما يَقرُب من 45 بالمِئة من مجموع سُكّانها.
الإدارة الأمريكيّة الحاليّة التي تعتبر الصين عدوّها الأوّل كانت، وما زالت، تُريد أن تتحوّل أفغانستان إلى قاعدة لحركة تركمنستان الإسلاميّة التي تُمَثِّل إثنيّة الإيغور الإسلاميّة التركيّة الجُذور يَنطلِق منها مُقاتلوها لشنّ هجمات ضدّ الصين، وبمعنى آخَر تُريد إعادة سيناريو “المُجاهدين” الذي تبنّته قبل أربعين عامًا لتجنيد مِئات الآلاف من المُقاتلين الإسلاميين لإخراج القوّات السوفييتيّة من أفغانستان، والثّأر لهزيمتها في فيتنام، ولكنّ ما لا تُدركه أنّ أفغانستان تغيّرت، والحال نفسه يَنطبِق على السعوديّة الدّاعم الأكبر لهذا السّيناريو التي تخلّت عن الوهابيّة وباتت تُريد غسل يديها من كُل شيء اسمه الجِهاد والتطرّف.
ما يُؤكِّد هذه الحقيقة أنّ السيّد محمد نعيم المُتَحدِّث باسم حركة طالبان قال في تغريدةٍ له على التويتر أمس إنّ وفد حركته الزّائر للصين حرص على التّأكيد للمَسؤولين الصينيين أنّه لن يسمح لأيّ أحد (أمريكا) باستِخدام الأراضي الأفغانيّة لمُهاجمة الصين.
الصينيّون في المُقابل تعهّدوا بإقامة علاقة قويّة مع إمارة أفغانستان الإسلاميّة القادمة، ولَعِب دور كبير في عمليّة الإعمار، وضخّ المِليارات للاستِثمار وتعزيز الاقتِصاد الأفغاني، والرّسالة هُنا واضحة: الأمريكان يُدَمِّرون ونحن نُعَمِّر.
انفتاح حركة طالبان على الصين وروسيا (زار وفدها موسكو قبل بضعة أسابيع) رغم الفوارق الأيديولوجيّة، ليس مُفاجِئًا، فباكستان الأب الرّوحي لحركة طالبان والمُؤسِّس الفِعلي لها، تُعتَبر الحليف الاستراتيجي الأقوى للصين قي شرق آسيا، ومن الطّبيعي أن تَقِف الحركة في خندق حُلفائها، والصين خاصّةً، وربّما يُفيد التّذكير أيضًا بأنّ موسكو أرسلت أسلحة لحركة طالبان ورصدت مُكافآت لكُل من يَقتُل أمريكيًّا في أفغانستان حسب اتّهامات أمريكيّة.
حركة طالبان تُسيطِر حاليًّا على الغالبيّة السّاحقة من المعابر البريّة مع دول الجِوار، خاصّةً اللّسان الذي يَربِطها بغرب الصين، ويُقدَّر عرضه بحواليّ 75 كيلومترًا، علاوةً على أكثر من 90 بالمِئة من الأراضي الأفغانيّة، وهي في انتِظار انسِحاب آخر جندي أمريكي لإعلان قِيام إمارتها.
الحركة هزمت أمريكا، وكلّفتها أكثر من ترليونيّ دولار وحواليّ 3500 قتيل من جُنودها، وبهذا بدأت واشنطن في الاستِعداد للثّأر من هذه الهزيمة بتأسيس قيادة عمليّات عسكريّة في الدوحة قد يكون من أبرز مهامها تجنيد “المُجاهدين” الجُدد وسلّحتهم ضدّ الطالبان والصين معًا، والغطاء الأيديولوجي والعِرقي جاهِز.. واللُه أعلم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع