بالإذن من “مولانا”: نادي “الغولف” يتحدّى السين – سين
خالد البوّاب –
كتب “مولانا” الدكتور رضوان السيّد، في معرض تعليقه على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، بأنّها الفرصة الأخيرة لرئيس الجمهورية ميشال عون. وهنا لا بدّ للدكتور السيّد أن يسمح برحابة صدره بتسجيل بضع ملاحظات على ما يطرحه، خصوصاً أنّ التوصيف يحيل موقع رئاسة الحكومة إلى حقل تجارب، يصلح لأن يكون متاحاً في الاختبارات العلمية التي تحتاج إلى قرينة الإثبات المادي، لكنّه لا يصلح في المجال السياسي. ولا سيّما أنّ السياسة فن استشراف الأحداث وقراءة الطوالع مبكراً لتجنّب الوقوع في الفخاخ. وهي المشكلة التي تعانيها السياسة في لبنان والساسة. والأسوأ فيها انزلاق نادي رؤساء الحكومة السابقين إليها.
ليست هي الخطوة الخاطئة الأولى التي يقدم عليها رؤساء الحكومة السابقون، بل بدأت الأخطاء منذ لحظة تبنّي وتسمية مصطفى أديب لتشكيل حكومة، واستمرّت مع تكليف سعد الحريري وصولاً إلى ميقاتي. وكانت سلسلة الأخطاء على الشكل الآتي:
أوّلاً، هم وقعوا في مناقضة أنفسهم عندما اعتبروا أنّه لا يمكنهم توفير الغطاء لِمَن سيأتي لتلبية شروط العهد صاحب الهدف الأساسي في ضرب اتفاق الطائف. والمفارقة أنّ كل التكليفات تأتي مدعومة ببيانات تدّعي حماية الطائف كلامياً، إلا أنّها في الممارسة تسهم في تدميره وضربه.
بداية، صحيح أنّ رؤساء الحكومة، أو نادي “الغولف” على حدّ تعبير وليد جنبلاط، يريدون تسمية الشخصية التي يدعمونها لتولّي منصب رئاسة الحكومة، وفي ذلك تكريس لمبدأ أن تسمّي الطوائف مَن يمثّلها أو ينوب عنها، وهي تجربة مستنسخة عن توجّهات الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر في اختيار الأقوياء في طوائفهم. وهنا ينزلق السُنّة إلى منطق الطوائف والمذاهب. وفي ذلك ترجمة ذات مدى أبعد لتصغير الدور انطلاقاً من تصغير الكيانات في ظلّ ضرب منطق الدولة الوطنية المركزية وتدميره لمصلحة دويلات الطوائف والمذاهب. وهذا في الأساس يصيب سُنّة الدولة بمقتل.
ثانياً، إنّ استدراج رؤساء الحكومة السابقين إلى هذا الملعب يعني السماح لعون وحزب الله بالتشفّي بهم وبأقويائهم، مثلما حصل مع مصطفى أديب وكيلاً، وسعد الحريري أصيلاً. وهنا ظهرت مفارقة تمثّلت في موقف حزب الله الذي منح أصواته لميقاتي، مقابل رفض التيار
الوطني الحرّ لذلك، وهو ما سيضع الرئيس المكلّف بين منزلتين تسهمان في تكبيله أكثر، فيُضطرّ إلى إرضاء الحزب والسعي إلى الوصول إلى تقاطعات مع التيار الوطني الحرّ، ليتمكّن من التأليف، وهذا سيكون على حساب السنّة ورؤساء الحكومة السابقين والثوابت التي أكّدوها في بيانهم. ولذا سيكون ميقاتي أمام احتمال من اثنين:
– إمّا أن يقدّم تنازلات قاسية ليتمكّن من تشكيل حكومة، فيكون قد دخل إلى السراي مهشّماً ومجرّداً من كلّ ثوابته.
– وإمّا أن يرفض الرضوخ للشروط فيعتذر، وبذلك سيعطي فرصة لعون وحزب الله للقول إنّهما انتصرا على أقوياء السنّة. وهذا سيكون له حتماً تداعيات سياسية مرحلية وبعيدة المدى، ربّما يكون أوّلها المطالبة بتسمية شخصية محسوبة على الفريق الآخر لتشكيل الحكومة التي يريدها.
لبنان هو في أمسّ الحاجة إلى السعودية، وخصوصاً حلفاءها الذين لم يقفوا عند تلبية متطلّبات التفاهم معها، فيما حزب الله لم يعد بحاجة إلى النظام السوري، وتقصّد توجيه رسالة معارضة له من خلال تكليف ميقاتي
ثالثاً، لا بدّ من تسجيل ملاحظة في الشكل والمضمون حول تكليف ميقاتي، الذي ينطلق من محاولة سنّيّة لإرضاء الفرنسيين أصحاب المبادرة التي تحتاج إلى إنقاذ بهدف حفظ ماء وجه فرنسا، والتي لا تلبّي تطلّعات ورؤى المجتمعيْن العربي والدولي. سياسياً يمكن اعتبار هذا التكليف أنّه موجّه ضد معادلة “السين سين”.
فمن جهة، أسهمت تسمية رؤساء الحكومة لميقاتي في توجيه تحدٍّ إلى المملكة العربية السعودية التي كان من الواضح أنّها ترفض مثل هذا الخيار. أمّا من جهة حزب الله وبعض حلفائه، فكان التكليف ضربة موجّهة إلى سوريا، التي قاطع أبرز حلفائها الاستشارات، كطلال إرسلان، ورفض الآخرون تسمية ميقاتي، كجميل السيد. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الفوارق بين الجهتين. لبنان هو في أمسّ الحاجة إلى السعودية، وخصوصاً حلفاءها الذين لم يقفوا عند تلبية متطلّبات التفاهم معها، فيما حزب الله لم يعد بحاجة إلى النظام السوري، وتقصّد توجيه رسالة معارضة له من خلال تكليف ميقاتي، كنوع من الردّ المباشر على كلّ السياقات التي حاول بعض أتباع دمشق تقديمها عن استعادة النظام السوري لدوره في لبنان وتأثيراته، فاستعجل حزب الله قطع الطريق على مثل هذه التحليلات.
إقرأ أيضاً: ميقاتي فرصة عون الأخيرة؟!
رابعاً والأهمّ أنّه إذا كانت هذه هي الفرصة الأخيرة لعون وعهده، وإذا فشل ميقاتي في عملية التشكيل، فلن تكون النتيجة فقط توفير فرص انتصار عون على “أقوياء السنّة”، إنّما قد تقود إلى ما كان يطمح النظام السوري إلى تكريسه منذ زمن، وهو ذهاب القوى الإسلامية إلى مطالبة رئيس الجمهورية بالاستقالة من جانب واحد، الأمر الذي سيؤدّي إلى استنفار العصبيّة المسيحية، التي سينجح عون باستمالتها، وبذلك تكون هذه الخطوة قد نجحت في تعويم النظام السوري في لبنان الذي عمل وفق هذا المبدأ طوال سنوات وصايته. لكن هذه المرة يكون تعويمه قد جاء بنتيجة خطأ من قبل معارضيه، فيما مَن يدّعون التحالف معه يسعون إلى تأكيد إبعاد شبحه وتأثيراته.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع