الأخبار- محمد خواجوئي
يبدو واضحاً أن مهمّة حكومة إبراهيم رئيسي لن تكون سهلة. فهي لن تتعامل مع الوضع الاقتصادي الصعب والمحادثات النووية فقط، بل جاءت الاحتجاجات على شحّ المياه لتُشكّل تحدّياً كبيراً إضافياً أمامها. وعلى رغم أن السلطات، بدءاً من أعلى مستوياتها، أدارت، بوضوح، أذناً صاغية إلى صوت الناس، إلّا أن الخيارات المتاحة لها لمعالجة الأزمة تبدو محدودة، في وقت تُنذر فيه محاولات الاستثمار في السخط الشعبي، بمصاعب أكبر ستواجه الحكومة العتيدة
طهران | عشرة أيام تفصل حكومة إبراهيم رئيسي عن تسلّم السلطة في إيران، لتبدأ عملها على ملفّات معقّدة عدّة، من بينها المحادثات النووية والوضع الاقتصادي الصعب، والتي أضيفت إليها، أخيراً، الاحتجاجات المندلعة منذ حوالى 12 يوماً على أزمة شحّ المياه. احتجاجات تمثّل مُحرّكها الرئيس في ندرة المياه في مدن محافظة خوزستان جنوب غربي إيران، بعدما أدّى الجفاف، وكذلك بناء السدود على أنهار المحافظة، إلى استشعار الأهالي ثقل وطأة الأزمة المتقادمة، أكثر من أيّ وقت مضى، ولا سيّما منهم مُربّو الماشية والمزارعون. ولم تنحصر الاحتجاجات في خوزستان فقط، بل امتدّت، وإن على نحو محدود، إلى محافظات أخرى، بما فيها لرستان (غرب) وأصفهان (وسط) وأذربايجان الشرقية (شمال غرب). وبينما يُعبّر الكثير من الناس عن تذمّرهم من طريقة إدارة الحكومة لإمدادات المياه، يبدو واضحاً أن ثمّة محاولات، من خلال إطلاق الشعارات الراديكالية ضدّ النظام السياسي ورفْع علم المجموعات الانفصالية، لجرّ مطالب الناس إلى اتّجاهات مختلفة. لكن تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، والتي أدلى بها في ذروة الاحتجاجات الأخيرة، جاءت لتمثّل مؤشّراً إلى اعتراف النظام بالمشكلة، ومحاولته إدارة أذن صاغية إلى صوت الناس، على أعلى مستويات السلطة. إذ أكّد خامنئي أن “الناس عبّروا عن استيائهم، لكن لا يمكن لومهم البتّة”. وفي أعقاب تصريحاته تلك، أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، أن تعليمات صدرت إلى القوى الأمنية بإخلاء سبيل المحتجزين في الأحداث الأخيرة في خوزستان، ممّن لم يرتكبوا جرماً، على وجه السرعة. كذلك، أمَر رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجي، بـ”ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين في المحافظة، الذين شاركوا بشكل سلمي في الاحتجاجات الأخيرة بسبب أزمة المياه”.
وعلى مدى الأعوام الأربعة الأخيرة، تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران، وذلك بفعل أثر العقوبات الاقتصادية الأميركية الواسعة، الأمر الذي أدّى إلى سلسلة احتجاجات دورية في الشارع. إلّا أن أزمة المياه تَظهر على أنها واحدة من أعقد المشاكل، وأكثرها استدامة، ولا سيما أنها لا تقتصر على محافظة خوزستان، بل تتعدّاها لتُلقي بظلالها على معظم أنحاء البلاد. وما يزيد من تعقيدها، هو خروجها عن بعدها البيئي، لتتّخذ أبعاداً اقتصادية واجتماعية وأمنية. فالناس الذين تعتمد أعمالهم على المياه، يرون أن معيشتهم أصبحت معرّضة للخطر، بينما باتت البطالة تهدّد معظمهم، وهو ما يدفعهم إلى الاحتجاج على الوضع القائم، الذي يمكن أن يتحوّل إلى نافذة للانتقال إلى الاحتجاج السياسي، والممارسات الأمنية المشبوهة. وما ساعد في تفاقُم الحلقة الأخيرة تحديداً من الأزمة، هو السحب الزائد للمياه السطحية والجوفية، عن طريق شبكة ضخمة من البنى التحتية الهيدروليكية والآبار العميقة. وتتبدّى هذه الحالة في مؤشّرات عديدة، من ضمنها جفاف البحيرات والأنهار والأهوار، وتضاؤل مناسيب المياه الجوفية، والانهيارات الأرضية، وتدنّي جودة المياه، واستنزاف التربة، والتصحّر، والعواصف الترابية. وفي هذا الإطار، تفيد بيانات “معهد الموارد العالمية” (WRI) بأن 17 دولة في العالم، معظمها تقع في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، تعاني من ظروف “التوتّر المائي” الشديدة جداً، حيث تُعدّ إيران الخامسة بينها. ويتمثّل “التوتّر المائي” في حجم المياه المستخرجة، نسبة إلى مجمل الموارد المائية المتجدّدة.وفي هذا الخصوص، حذّر المدير التنفيذي لشركة المياه ومياه الصرف الصحي، حميد رضا جانباز، أخيراً، من أن “101 مدينة إيرانية من أصل 304، معرّضة للتوتر المائي، تمرّ الآن في مرحلة الإنذار الأحمر”. ويأتي ذلك فيما تفيد الإحصاءات بأنّ “معدّل هطول الأمطار في ستّة أحواض مائية إيرانية، تراجَع بنسبة 52 في المئة مقارنة بالعام الماضي”. ويستهلك القطاع الزراعي أكثر من 90 في المئة من إمدادات المياه الإيرانية، بينما يصل الاستهلاك المنزلي والصناعي إلى أقلّ من 10 في المئة. وقد دفعت مخاطر العقوبات الاقتصادية، التي يمكن أن تشكّل تهديداً للأمن الغذائي، الحكومات المختلفة في إيران إلى اعتماد الاكتفاء الذاتي في مجال المحاصيل الزراعية الاستراتيجية. إلّا أن الإنتاج المتزايد لهذه المحاصيل، يترافق مع تصاعد استهلاك المياه. ومن هذا المنطلق، بات إدخال تغييرات على سياسات القطاع الزراعي، يُعتبر إحدى الآليات التي لا بدّ أن تلجأ إليها الحكومة، لتفادي تداعيات الشحّ الشديد في الإمدادات المائية. وأمام إدارة إبراهيم رئيسي، التي ستبدأ أعمالها في خضمّ الاحتجاجات الأخيرة، خيارات صعبة ومحدودة لاحتواء أزمة المياه، علماً أن “ندرة المياه تشكّل أهمّ قضية بالنسبة إلى الأمن القومي”، على حدّ تعبير المتحدّث باسم الأمن القومي في البرلمان، محمود عباس زادة، الذي نبّه إلى أنه “إن لم تصل المياه بالكمّيات الكافية إلى الناس، فثمّة احتمال لأن تحصل أنواع من الكوارث الاجتماعية، وحتى الأحداث الأمنية”.