النقاشات الأوروبية حول لبنان: 17 دولة تعارض فرض عقوبات
الأخبار- رلى إبراهيم
عبثاً يحاول بعض الدول الأوروبية فرض عقوبات على بعض السياسيين اللبنانيين أسوة بالعقوبات الأميركية. رأس الحربة في هذا المشروع هو دولة فرنسا التي خلقت ما يشبه اللوبي لمساندتها في تحقيق أجندتها. خدمة لهذا الأمر، جرى وضع لبنان كبند على جدول أعمال مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي FAC (في 12 تموز الجاري) من ضمن «الشؤون الراهنة» التي تحتم التداول بشأنها، خصوصاً بعد انفجار المرفأ، وذلك لفرض عقوبات على السياسيين المعطلين لتشكيل الحكومة والاصلاحات التي تريدها باريس. عدة اجتماعات عقدت من دون أن تتوصل الى توافق تامّ بين الدول الأوروبية؛ ففي مقابل فرنسا والفريق المتحمس لفرض عقوبات على لبنان، ثمة فريق آخر تقوده هنغاريا (المجر) يعارض أي عقوبات سياسية، ويشترط أن تكون دوافع المعاقبة موثّقة وصادراً فيها قرار قضائي مبرم وغير قابل للنقض. المعارضة الأوروبية الرئيسية كانت مستندة إلى عدم وجود نظام عقوبات على لبنان، بخلاف الحال في الولايات المتحدة الاميركية، وعدم القدرة على اتهام أفراد من دون بناء نظام مكتمل من ناحية الإجراءات القانونية. وكانت المجر أولى الدول المطالبة بهذا النظام، مع رفضها التام التعرض لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي يصفه وزير خارجيتها بـ«رئيس الحزب المسيحي الاول» في لبنان.
السلوك المجري جرى شرحه في عدة محطات بأنه مسعى لردع باريس عن تنفيذ أجندة خاصة لا تستهدف سوى باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون. وهنا، الضغط المجري، الى جانب ضغوط دول أوروبية أخرى، لوضع نظام عقوبات، أسهم في قلب السحر الفرنسي عليه، من ناحية تحديد أطر واضحة للعقوبات تتعلق بتبييض الأموال والتهرب الضريبي وتهريب الاموال، بحيث يصعب بعد ذلك الذهاب الى اتهامات سياسية من دون قرائن. وهو ما حصل في الاجتماع الأخير، فتم الاتفاق على تكليف مجموعات قانونية مختصة لوضع نظام عقوبات على لبنان، وذلك لا يعني بأي حال من الأحوال امكان فرضها على أي فرد أو حزب في غياب الإجماع على ذلك. وإلى جانب المجر، لعبت إيطاليا دوراً أساسياً في إحباط الأجندة الفرنسية، رغم تسجيل ضغوط من وزير الخارجية الفرنسي على هنغاريا لدفعها الى التراجع عن موقفها.
قبيل اجتماع مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي الذي خلص الى ضرورة تأمين كل الإجراءات القانونية لوضع نظام عقوبات قبل نهاية الشهر الجاري، حصلت اجتماعات استثنائية بين المفوضية الأوروبية وفريق العمل الجغرافي مشرق – مغرب MaMa working group التابع لمجلس الشؤون الخارجية الأوروبي FAC والمنوط به اتخاذ القرار السياسي في ملف العقوبات على لبنان. وقد بحثت الاجتماعات في أمرين أساسيين:
1- نجح التواصل الذي أجراه وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان مع نظيره المجري بيتر سيارتو في تعديل موقف هنغاريا من العقوبات. فالمندوب الهنغاري في اجتماعات «المفوضية» و«فريق العمل» لم يعارض العقوبات خلال المناقشات، مشترطاً أن تستند إلى معيار «إساءة الادارة المالية، تبييض الأموال، تحويلات مالية غير قانونية، اختلاس الأموال العامة، وفشل إصلاح النظام المصرفي». وقال المندوب الهنغاري: «لا نريد أن نكون نحن الصبية الشياطين في الغرفة». أما المندوب الايطالي، فقد برز اعتراضه على جميع المعايير ما عدا المعيار الثاني، بما يعني الحوكمة والاصلاحات. تجدر الاشارة هنا الى أن الموقف الايطالي يوازي الموقف المجري في صلابة معارضته للعقوبات واعتبارها سياسية وانتقامية، ولا تستند الى أساس متين، من هنا كانت المطالبة بوضع نظام مفصل وقانوني للعقوبات.
2- فتح الموقف المجري مجالاً أمام الدول الأعضاء للتداول في المعايير التي ينبغي أن يتضمنها نظام العقوبات على لبنان. بعض الوزراء الأوروبيين أكدوا لفرنسا أنهم لن يقفوا ضد العقوبات، لكنهم اشترطوا أن تتمتع بصيغة قانونية وسياسية غير قابلة للنقض قضائياً. أما فرنسا، بحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فقد دفعت بمندوب هولندا الى أخذ الكلام في البداية لاستعراض فكرة العقوبات بحماسة تامة ضد لبنان. إلا ان دولاً أخرى، كالسويد وفنلندا، عارضت اتخاذ قرار سياسي بوضع نظام العقوبات على لبنان. وفي مقابل كل من فرنسا وألمانيا وهولندا والدنمارك المشجعة للعقوبات على لبنان، عبّرت 17 دولة أوروبية عن معارضتها لذلك، سواء لجهة اعتراضها على أصل العقوبات، أم لناحية المطالبة بوضع معايير لذلك، أم عبر اعتراضها على المعايير. من جهته، حاول مندوب رومانيا (وهو رئيس «فريق العمل مشرق-مغرب») أن يختتم الاجتماع بكتابة خلاصة تقول بوجود «انفتاح للمضي قدماً في اعتماد نظام عقوبات على لبنان»، الا أنه اصطدم بمعارضة المجر والنمسا وبولندا ولاتفيا ومالطا وفنلندا والسويد والبرتغال، ففشلت محاولته. وقد توضحت الصورة لدى المجتمعين عن صعوبة اتخاذ قرار بالنسبة إلى العقوبات على لبنان.
«انهيار لبنان يُربح حزب الله»
بناءً على الاجتماعات التي عُقِدت، أشار الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل في مؤتمر صحافي، الى أنه لا يعتقد أن أي قرار سيتخذ بشأن الأزمة في لبنان، مردفاً بأن «العقوبات قد تكون مطروحة إذا اقترحتها الدول الأعضاء». أما في الاجتماعات، فأعاد بوريل التشديد على العقوبات من منطلق أن «النخبة السياسية اللبنانية لا تشعر بالطابع الملحّ لتنفيذ الإصلاحات، وبالتالي يمكن استخدام نظام العقوبات ضدها». أعقبت ذلك كلمة مطوّلة لوزير الخارجية الفرنسي الذي كرّر بأن الذكرى السنوية لانفجار المرفأ اقتربت، ولبنان لا يزال يدمّر نفسه. مقدمة لو دريان لم تكن جراء الحرص على لبنان وأمنه الاجتماعي والاقتصادي، بل من زاوية أن «انهيار لبنان يؤدي الى فوز حزب الله»، على حدّ قوله. لذلك، أمل لو دريان التوصل في مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي الى توافق سياسي حول نظام العقوبات، على أن يتم العمل على الناحية التقنية لهذا النظام من قبل مجموعات العمل المختصة. لاقى الاقتراح الفرنسي دعماً من هولندا وألمانيا وإيرلندا وإسبانيا واليونان، فيما شدّد وزير خارجية مالطا على ضرورة ألا يكون نظام العقوبات على لبنان سابقة لتطبيقه في بلدان أخرى.
اللافت هنا ليونة وزير الخارجية المجري الذي كان معارضاً لأي عقوبات، لكنه عبّر في هذا الاجتماع عن موقف إيجابي لوضع نظام عقوبات على لبنان، لكنه كرر ضرورة اعتماد نظام عقوبات يستند الى معيار «إساءة الإدارة المالية، تبييض الأموال، تحويلات مالية غير قانونية، اختلاس الأموال العامة، وفشل إصلاح النظام المصرفي»، مضيفاً إنه سيكون لحكومته موقف بناءً على مستوى مجموعات العمل المختصة في الأسابيع المقبلة. كذلك أعاد تأكيد رفض بلاده إدراج «الحزب السياسي المسيحي على قائمة العقوبات»، أي التيار الوطني الحر.
في ختام الاجتماع الذي فشلت فيه فرنسا بالحصول على إجماع حول فرض عقوبات على لبنان، عقد بوريل مؤتمراً صحافياً قال فيه إنه سيجري العمل على الإجراءات القانونية لوضع نظام عقوبات ضد المسؤولين اللبنانيين عن تعطيل الحل السياسي ومعاناة الشعب. وأشار الى أنه يجري العمل على اتخاذ قرار من المجلس لتأسيس هذا النظام الجديد، على أن تستكمل كل الإجراءات بحلول نهاية الشهر الجاري. وشرح بوريل أنه لا يتحدث عن «تنفيذ نظام العقوبات (17 دولة عارضت العقوبات على لبنان)، بل بناء النظام فقط وفقاً للأساس القانوني السليم».