الحدث
لا دفْع خارجياً وراء الانقلاب: الانقسام المجتمـعي يتعمّق
الأخبار
لا يضع خصوم الرئيس التونسي، قيس سعيّد، قرارات الأخير إنهاءَ مهام رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، خارج إطار «العبث» الدستوري، وتجيير ما ورد في إحدى مواد الدستور، المستندِة إليها مقرَّرات «قصر قرطاج»، لخدمة «الصالح العام» الذي ضاق ذرعاً بوضع، ليس فَشَلُ الحكومة في إدارة الأزمتَيْن الصحية والمالية – الاقتصادية إلّا واحداً من مركّباته. ومَن كان أستاذاً جامعياً مختصّاً في القانون الدستوري قبل أن ينتقل إلى سدّة الرئاسة في عام 2019، عَرَف كيف يقود ما وصفه خصومه بأنه «انقلاب»، يؤكّد عارفون أنه لم يكن مدفوعاً من الخارج، وإنْ كان يهدف من ورائه إلى تحجيم معارضيه الذين عطّلوا، على مدى سنتين، جدول أعماله بفعل حدّة الانقسام الذي أضحى مجتمعياً، أكثر منه سياسي.
مع هذا، يمكن كثيرين الادّعاء بأن قرارات ليل الأحد تُشكّل نسفاً كاملاً للدستور، على رغم محاولة سعيّد إلباسها لبوساً دستورياً، عبر الاستناد إلى المادة 80 من الدستور. ويأخذ معارضو الرئيس عليه خرقه الدستور، وفرضه حالة الاستثناء من دون الالتزام بما ورد في المادة المذكورة التي تنظمها، خصوصاً لجهة استشارة رئيسَي الحكومة والبرلمان قبل الاحتكام إليها، فضلاً عن مبادرته إلى تجميد عمل البرلمان، في الوقت الذي ينصّ فيه الدستور على انعقاد المجلس بصفة مستمرّة طوال استمرار حالة الاستثناء. ووفق نص المادة 80 من الدستور التونسي الخاص بالإجراءات الاستثنائية، فإن «لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدِّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتّخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية»، فيما يرد في الفقرة الثانية من هذه المادة وجوب أن «تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعدّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدّة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة». وتوضح الفقرة الثالثة أنه «بعد مضيّ 30 يوماً على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلبٍ من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البتّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه». لكن هناك مشكلة أساسية عنوانها إرساء المحكمة الدستورية المخوّلة حصراً النظر في الخلافات التي تنشب بين السلطات، أي سلطة الرئيس المنتخَب والسلطات المنبثقة من الانتخابات التشريعية. إذ إن المحكمة التي تتواصل الدعوات إلى إنشائها، لا تزال قيد التجاذبات السياسية، بعدما لم يُقرّ، حتى اليوم، القانون الخاص بها، وهو ما يشكِّل انعكاساً للانقسام المجتمعي المشار إليه سالفاً. وما ينذِر بخطورة الموقف وحدّته، الدعوة التي وجّهها مجلس النواب – الذي قرر الانعقاد بصفة دائمة (استناداً إلى المادة الدستورية إيّاها) – إلى الجيش والقوات الأمنية لـ«الانحياز إلى صفوف الشعب التونسي، والوفاء للقسم بحماية الدستور وعلويّة القانون، وصَوْن هيبة الدولة ومؤسّساتها الدستورية والإدارية، وتأمين الحقّ في العمل والسير العادي لمؤسّسات الدولة، وعدم الخضوع لأيّ أوامر خارج روح الدستور وسلطة القانون». وهذا سيناريو لو تحقَّق، سيعني دخول تونس في نفق سيكون الخروج منه ضرباً من المُحال.
سعيّد الآتي من خارج عالم السياسة، حقَّق فوزاً مفاجئاً في انتخابات تنافسيّة أجريت عام 2019، نتجت منها لاحقاً حكومة لم تفعل شيئاً سوى أنها راكمت الفشل، وسعّرت الأزمتَين الصحية والمالية – الاقتصادية، اللتين يضاف إليهما انقسام مجتمعي حادّ، بين فريقين علماني وآخر إسلامي، وما أفرزته هذا الانقسام من خطاب لطالما أنذر ببلوغ السيل الزبى. وفي أحد وجوهها، لم تكن الأزمة التي انفجرت الأحد، إلّا نتاج حالة الانسداد الناجمة عن الخلافات العميقة بين رئاستَي الجمهورية والحكومة، والتي فاقمتها خطوةُ هشام المشيشي، بداية العام الحالي، نحوَ تعديل وزاري عطّله سعيّد برفضه إصدار المراسيم الرئاسية ودعوة الوزراء الجُدد إلى أداء اليمين الدستورية، بسبب ما وصفه بشبهات فساد وتضارب مصالح تحوم حول بعضهم، وهو ما عاد ليكرّره في فرمان الأحد بتشديده على أن قراراته «ليست تعليقاً للدستور، وليست خروجاً عن الشرعية الدستورية… ولكن إذا تحوّل القانون إلى أداة لتصفية الحسابات وأداة لتمكين اللصوص الذين نهبوا أموال الدولة وأموال الشعب المفقر، فهي ليست بالقوانين التي تعبّر عن إرادة الشعب، بل هي أدوات للسطو على إرادة الشعب».
مع هذا، يمكن كثيرين الادّعاء بأن قرارات ليل الأحد تُشكّل نسفاً كاملاً للدستور، على رغم محاولة سعيّد إلباسها لبوساً دستورياً، عبر الاستناد إلى المادة 80 من الدستور. ويأخذ معارضو الرئيس عليه خرقه الدستور، وفرضه حالة الاستثناء من دون الالتزام بما ورد في المادة المذكورة التي تنظمها، خصوصاً لجهة استشارة رئيسَي الحكومة والبرلمان قبل الاحتكام إليها، فضلاً عن مبادرته إلى تجميد عمل البرلمان، في الوقت الذي ينصّ فيه الدستور على انعقاد المجلس بصفة مستمرّة طوال استمرار حالة الاستثناء. ووفق نص المادة 80 من الدستور التونسي الخاص بالإجراءات الاستثنائية، فإن «لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدِّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتّخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية»، فيما يرد في الفقرة الثانية من هذه المادة وجوب أن «تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعدّ مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدّة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة». وتوضح الفقرة الثالثة أنه «بعد مضيّ 30 يوماً على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلبٍ من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البتّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه». لكن هناك مشكلة أساسية عنوانها إرساء المحكمة الدستورية المخوّلة حصراً النظر في الخلافات التي تنشب بين السلطات، أي سلطة الرئيس المنتخَب والسلطات المنبثقة من الانتخابات التشريعية. إذ إن المحكمة التي تتواصل الدعوات إلى إنشائها، لا تزال قيد التجاذبات السياسية، بعدما لم يُقرّ، حتى اليوم، القانون الخاص بها، وهو ما يشكِّل انعكاساً للانقسام المجتمعي المشار إليه سالفاً. وما ينذِر بخطورة الموقف وحدّته، الدعوة التي وجّهها مجلس النواب – الذي قرر الانعقاد بصفة دائمة (استناداً إلى المادة الدستورية إيّاها) – إلى الجيش والقوات الأمنية لـ«الانحياز إلى صفوف الشعب التونسي، والوفاء للقسم بحماية الدستور وعلويّة القانون، وصَوْن هيبة الدولة ومؤسّساتها الدستورية والإدارية، وتأمين الحقّ في العمل والسير العادي لمؤسّسات الدولة، وعدم الخضوع لأيّ أوامر خارج روح الدستور وسلطة القانون». وهذا سيناريو لو تحقَّق، سيعني دخول تونس في نفق سيكون الخروج منه ضرباً من المُحال.
سعيّد الآتي من خارج عالم السياسة، حقَّق فوزاً مفاجئاً في انتخابات تنافسيّة أجريت عام 2019، نتجت منها لاحقاً حكومة لم تفعل شيئاً سوى أنها راكمت الفشل، وسعّرت الأزمتَين الصحية والمالية – الاقتصادية، اللتين يضاف إليهما انقسام مجتمعي حادّ، بين فريقين علماني وآخر إسلامي، وما أفرزته هذا الانقسام من خطاب لطالما أنذر ببلوغ السيل الزبى. وفي أحد وجوهها، لم تكن الأزمة التي انفجرت الأحد، إلّا نتاج حالة الانسداد الناجمة عن الخلافات العميقة بين رئاستَي الجمهورية والحكومة، والتي فاقمتها خطوةُ هشام المشيشي، بداية العام الحالي، نحوَ تعديل وزاري عطّله سعيّد برفضه إصدار المراسيم الرئاسية ودعوة الوزراء الجُدد إلى أداء اليمين الدستورية، بسبب ما وصفه بشبهات فساد وتضارب مصالح تحوم حول بعضهم، وهو ما عاد ليكرّره في فرمان الأحد بتشديده على أن قراراته «ليست تعليقاً للدستور، وليست خروجاً عن الشرعية الدستورية… ولكن إذا تحوّل القانون إلى أداة لتصفية الحسابات وأداة لتمكين اللصوص الذين نهبوا أموال الدولة وأموال الشعب المفقر، فهي ليست بالقوانين التي تعبّر عن إرادة الشعب، بل هي أدوات للسطو على إرادة الشعب».