راي حر : ياسمين طنوس
مصطلح “راية مزيفة” أو ” علم زائف” (false flag) أو “العَلَم المخادع الكاذب”، أُستخدم بداية في الحروب البحرية عند استخدام راية لا تعبر عن الهوية الحقيقية للسفينة بغرض خداع الأعداء قبل الالتحام معهم على متن السفينة عند الاقتراب الكافي منها.
حالياً، مصطلح الراية-المُزيفة يُستخدم لوصف العمليات السرية لأهداف عسكرية (أو سياسية أو استخباراتية) التي تَستخدم التمويه بحيث يظهر كأن مجموعة أخرى خططت وقامت بهذه العمليات السرية غير المجموعة الحقيقية (الدولة أو الأمة).
مصطلح الراية المزيفة يُطلق أيضاً على العمليات التي تحدث في أوقات السلام عن طريق مؤسسات مدنية أو وكالات حكومية سرية إذا كان المُنفذ للعملية ينوي إخفاء الهوية الحقيقة له لتجنب اللوم.
في قاموس وزارة الدفاع الأمريكية للمصطلحات العسكرية (المنشور JP1-02 بتاريخ 5 يناير 2007) تُعرف “العملية السرية (clandestine operation)” بأنها عملية نفذت بواسطة الحكومة أو مؤسساتها بطريقة تضمن للعملية أن تكتسب السرية أو الخفاء.
وتختلف العملية السرية عن العملية المموهة حيث يتم التركيز على إخفاء العملية ذاتها بدلاً من إخفاء هوية القائم بها.
المصطلحين السري(clandestine) والمموه (covert) ليسا مترادفين، كما لوحظ في التعريف (الذي استخدمته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي منذ الحرب العالمية الثانية ).
في العملية المموهة (covert operation) يتم إخفاء هوية الجهة المخططة والمنفذه للعملية، بينما يتم إخفاء العملية نفسها في العمليات السرية (clandestine operations).
بعبارة أخرى، السري يعني “الإخفاء”، حيث يكون الهدف هو ألا يلاحظ العدو العملية على الإطلاق، بينما التمويه (Covert) تعني “الإنكار”، بحيث إذا لوحظت العملية، فإنها لا تُنسب إلى مجموعة.
وعليه فعملية “العلم الزائف” هي عمليةٌ سرِّيةٌ مصمَّمةٌ للقيام بخداع معيَّن بهدف إظهار (حزب/ جماعة/ أمَّة) معيَّنة مسؤولة عن بعض النشاطات، وإخفاء و تمويه المسؤول الفعلي عنها.
وقد استخدم هذا التكتيك من قبل المعسكرين الشرقي والغربي في صراعهما تاريخيا في عدة دول ومن أمثلته (حريق الرايخستاغ 1933 ، انقلاب 1953 في إيران، انقلاب 1954 في غواتيمالا، انقلاب 1973 في تشيلي، هجوم البرلمان الهندي 2001…).
وحالة الانهيار الحالي في لبنان على كافة المستويات هي مصداق حقيقي لحالة (الراية الزائفة)، حيث المطلوب منها إخفاء الفاعل الحقيقي وتحميل حزب الله مسؤولية هذا الانهيار الشامل وصولا إلى التدمير الممنهج وتحلل الدولة والمجتمع والدخول في حرب أهلية متزامنة مع حرب إسرائيلية ولاحقا تحميل الحزب أعباء القتل الجماعي، وتشويه سمعته بطريقة لا يمكن تداركها وصولا لنبذه من بيئته الحاضنة والمجتمع اللبناني عموما.
و في حالة لبنان من الواضح، أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” قامتا بالتخطيط خلال (ولاية ترامب) لإيجاد صراع طائفيّ في المجتمع اللبناني و تقويض عمليته السياسية الديمقراطية، على غرار الإجراءات التي تمَّت في سوريا وليبيا واليمن وفنزويلا وإيران وتوظيف ذلك في استراتيجية غير مسبوقة للقضاء على حزب الله.
وقد سرب ان الرئيس اللبناني ميشيل عون تلقَّى وثيقة “أمريكية-إسرائيلية” تتضمَّن تفاصيلَ خطط لخلق حرب أهلية في لبنان عبر عمليات (علم زائف سرِّية) و(غزو إسرائيليّ محتمل)، وذلك قبيل لقائه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خلال شهر مارس عام 2019 ، كعامل ضغط مباشر على الرئيس.
و على الرغم من أن مصدر المستند “إسرائيليٌّ”، وأن إنشاءه تمَّ بالشراكة مع واشنطن، لا أحد يعرف من قدَّمه إلى عون.
و خلال اجتماعه بالرئيس اللبناني، ميشيل عون، قدَّم وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إنذارا نهائيّا:
احتواء حزب الله أو توقُّع عواقبَ غير مسبوقة.
و بحسب مجلة “Foreign Policy”، أخبر بومبيو عون أنه إذا أخفق في إكمال المهمة المستحيلة المتمثلة بإزالة حزب الله من المؤسسات الحكومية وقمع أنشطته العسكرية، فينبغي أن يتوقع لبنان انقطاع المساعدات الأمريكية، وحتى عقوبات محتملة.
“سوف يتطلب الأمر شجاعة من الأمة اللبنانية لكي تقف في وجه إجرام حزب الله وإرهابه وتهديداته”، قال بومبيو.
و في مأدبة عشاء، ذُكر أن بومبيو حذَّر المسؤولين اللبنانيين من أنهم هم أنفسهم أهداف محتملة للعقوبات، مثل أعضاء التيار الوطني الحر.
على ان تستهدف العقوبات المحتملة أولا وزارة الصحة اللبنانية، التي يديرها حاليّا وزيرٌ لحزب الله.
حيث يعتمد المدنيون في جميع أنحاء لبنان على وزارة الصحة العاملة للحصول على الأدوية المدعومة والرعاية الطبية العامة، وبذلك تخلق تلك العقوبات معاناة هائلة لجميع سكان لبنان.
وقد تضمنت الوثيقة المزعومة:
١- خطة أمريكية لشقِّ القوى الأمنية اللبنانية وتوفير نواة لمجموعات عسكرية فئوية تستخدم في تسعير الصراعات والقتال الأهلي.
٢- قيام واشنطن باستثمار ملايين الدولارات في القوى العسكرية اللبنانية تحت ستار الحفاظ على السلام، ولكن بهدف سرِّيّ يتمثَّل بخلق صراع طائفيّ ضد حزب الله.
٣- زعزعة استقرار البلاد من خلال خلق حرب أهلية في لبنان “تساعد (إسرائيل) على الساحة الدولية”.
٤- قيام الولايات المتحدة و”إسرائيل” بدعم ما يسمى “القوى الديمقراطية”، الأمر الذي يتماثل بشكل ملحوظ مع الاستراتيجية المستخدمة في سوريا وليبيا وفنزويلا وأماكن أخرى.
٥- وجوب أن تؤدي الحرب الأهلية إلى “إطلاق طلبات” للتدخل من الجيش “الإسرائيلي”، والتي يجب على “إسرائيل” الموافقة عليها، فقط بعد تمنُّع شديد.
٦-” إطلاق العنان كاملا لقوَّة إسرائيل النارية المروعة” بحسب التقرير، إلا أنهم، وبطريقة ما، لا يتوقعون وقوع أيِّ إصابات.
٧ – قيام “إسرائيل” بلعب دور مهمّ من خلال القيام بـ”عمليات سرِّية” مع تطوُّر الصراع، و ربما تشمل هذه العمليات هجمات كيميائية مماثلة للهجمات الكيميائية على المدنيين في سوريا أو حتى الهجمات المباشرة على المدنيين اللبنانيين أو “الإسرائيليين”، وذلك لإلقاء اللوم على حزب الله وتبرير التدخل الدولي.
٨- خلق حالة من الغضب والاحتقان غير المسبوق لدى الناس وتوجيه هذا الغضب نحو (حزب الله) كفاعل ومتسبب بالأزمة والمعاناة المترتبة عليها في مختلف النواحي الصحية والغذائية والخدماتية، وتاليا تصديع الأرض التي يقف عليه حزب الله وداعميه توصلا لإنهاء وجوده.
وعلى هذا النحو، قد تُركِّز الحرب الأهلية المفبركة المحتملة على إعادة كتابة الدستور اللبناني كأولوية قصوى قبل الحديث عن أي انتخابات أو تسويات.
يعترف المخططون لهذا السيناريو الاسود بأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” ستحتاجان إلى قدر غير مسبوق من المصداقية للعب هذه الورقة، كما تعترف بأن الجيش اللبناني قد يكون عقبة، على الأرجح بسبب تشكيلته المتنوعة (طائفيّا).
وكذلك يشكل وجود حزب الله كحزب سياسيّ شرعيّ مع أعضاء في جميع جوانب المجتمع اللبناني عقبة أمام المخطط، خصوصا وأن لديه بالفعل أعضاء وحلفاء داخل قوى الأمن الداخلي والجيش.
أمام لبنان واللبنانيين فترة أسابيع قليلة للوصول إلى ساعة الحقيقة الصعبة، التي قد يكون تاريخ ٤ آب أو ١٧ تشرين بمثابة الفتيل الذي سيفجر برميل البارود الذي جهزه الامريكي مسبقا تحت قاع هذا البلد الهش والمهشم، كما فجر من قبل وفي نفس التاريخ عنبر النيترات المشبوه فعلا وفاعلا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع