في عتمة ليالي طرابلس… مصادرة صهاريج ورقص
إسراء ديب
لم يعد بإمكان الطرابلسيين تحمّل الأعباء التي تعصف بهم، وهي أزمات متتالية لا يُمكن تحمّل عقباها، وقد أوصلت الكثير منهم إلى اتخاذ قرارات جديدة ومختلفة عن سائر المدن التي تُعاني من الأزمات عينها في الآونة الأخيرة.
يبدو أنّ أهالي المدينة قد اقتنعوا فعليًا أنّ ما يجري في مدينتهم من حرمان وقهر، ليس إلّا خطوات مقصودة ومتعمّدة قبل مرحلة الانفجار الاجتماعي الكبير والوشيك، وأنّ الأزمات وعلى الرّغم من توحد اللبنانيين في مواجهتها، إلا أنّهم يرون أنّ الشمال عمومًا وطرابلس خصوصًا لهم الحصة الأكبر من هذه الأزمات التي انعكست عليهم بشكلٍ مباشر.
شحّ المازوت يهدد لقمة العيش
وبعد أزمة البنزين وطوابير الذل، يعجز الطرابلسيون عن مواجهة مشكلة شح المازوت التي ستشلّ المواصلات من جهة، وستنعكس على حياتهم الاجتماعية والتجارية من جهة ثانية، إذ يعوّل الكثير من أصحاب الفانات والحافلات العمومية على مادّة المازوت، ونادرًا ما نجد في المدينة وسيلة نقل عامّة تعتمد على مادّة البنزين المتوفّرة بشكلٍ عام في المحطات الطرابلسية، أمّا المازوت فيُواجه الكثير من السائقين مشكلة كبيرة تكمن في عدم إيجادهم هذه المادّة مهما حاولوا البحث عنها في المدينة أو شمالًا، وهم غالبًا ما ينتقلون إلى محافظات أخرى بعيدة بحثًا عن المازوت، فضلًا عن حاجة المولدات الكهربائية إلى هذه المادة في ظلّ أزمة كبيرة تعيشها مؤسسة كهرباء لبنان.
من هنا، عمد أهالي منطقة القبة الطرابلسية إلى توقيف صهريج كان قد عبأ حمولته من مصفاة طرابلس، ليتوجه إلى منطقة الزوق، وأكّد بعض الشبان من المنطقة في بيان مشترك أنّهم توجهوا بالصهريج إلى منطقة القبة، وقاموا بتوزيع حمولته على المولدات، مشدّدين على قيامهم أيضًا بدفع ثمنه كاملاً لصاحب الحمولة.
الصهريج كان متوجهاً إلى الزوق
إنّها ليست المرّة الأولى التي يقوم فيها طرابلسيون بتوقيف صهريج محروقات، سواء أكان متوجهًا إلى سوريا، أو إلى أيّ منطقة لبنانية بل بات توقيف الصهاريج من يوميات الطرابلسيين في كل مناطق المدينة، وهي ليست المرّة الأولى أيضًا التي يشعر فيها الطرابلسيون بأنّ لقمة عيشهم باتت مهدّدة بسبب هذه الأزمة التي بدأت منذ فترة ولم تجد سبيلها للخروج والحدّ من تداعياتها السلبية.
وانتقد شبان القبة في خطوتهم هذه، المعنيين والمسؤولين في طرابلس والدولة، مؤكّدين وجود تقصير بحقّ هذا المجتمع، وجاء في بيان لهم: “لا بد أن نشرح لأهلنا في طرابلس وللمعنيين بإدارة شؤون المجتمع الطرابلسي وعن أمنه الحياتي والصحي والغذائي أنّنا نعاني من شح في مادة المازوت كغيرنا في باقي المناطق، بسبب غياب غالبية مرجعيات البلد، ولا ندري ما إذا كان هذا الغياب المتعمّد عن القيام بدورهم في خدمة مجتمعهم والحفاظ على حاجاته من ماده المازوت في مصفاة البداوي. وبسبب هذا الغياب والإهمال بحق من انتخبكم واللامبالاة بمعاناة الناس، وبسبب أنّ أكثر من 80 شخصاً يعيشون على مكنات الأوكسيجين في منطقتنا… فلذلك قمنا كأهالي منطقة القبة وشبابها اليوم بتوقيف صهريج كان قد عبأ حمولته من مصفاة طرابلس وكان متوجهاً إلى منطقة الزوق، وتوجهنا به إلى منطقه القبة ووزعنا حمولته على المولدات ودفعنا ثمنه كاملًا لصاحب الحمولة وذلك موثق بفيديو”.
الاحتفال بوصول المازوت
تعيش المناطق الشعبية في المدينة عتمة شاملة ليلًا منذ أيّام بسبب شح مادة المازوت، ومن هذه المناطق حارة البرانية التي احتفلت بوصول صهريج مازوت من إحدى شركات المحروقات المتهم صاحبها بتهريب المحروقات إلى سوريا، وبعد إرساله هذا الصهريج، بدأ بعض الأهالي في المنطقة بالرقص وهتفوا للشركة وصاحبها، الأمر الذي أدّى إلى غضب شعبي عام، بسبب احتفال الناس وتهليلهم بوصول حقّ من حقوقهم وبصهريج جاء من إحدى الشركات التي أسهمت في تفاقم أزمة المحروقات التي أغرقتنا بالعتمة، وفق ما كان يقول بعض المحتجين.
ويقول بدر ع. وهو كان يُتابع هذه الاحتفالات مباشرة: “بتنا نشكرهم على حقوقنا. الشعب فقد عقله وفقد كرامته بالفعل، ويحتفلون بصهريج سينتهي مفعوله قريبًا، ولكنّ الأزمة مستمرّة ونحن السبب في استفحالها، لأنّنا صمتنا عن هذه الفضائح، وما زلنا نهلل لمن أوصلنا إلى هذه المرحلة من القهر والذل”.
وتسخر ملك من بعض الشبان الذين احتفلوا بوصول الصهريج، وتقول: “أصابنا صداع شديد بسبب اتهامهم لصاحب هذه الشركة بأنّه مافيا وزعيم التهريب وسبب أزماتنا، واليوم يقومون بالتصفيق له وبإنجازاته القائمة على تجويع الشعب ليشحذ منه أبسط حقوقه في المجتمع… وهذا ما يُذكّرنا بالانتخابات النيابية السابقة ويُعلمنا بأنّ الانتخابات المقبلة أيضًا لن تُغيّر من هذه العقلية المبرمجة على الذل”.
أمّا علي، فيستغرب هذه الاحتفالات التي رآها ووصفها بأنّها من أكبر الإهانات للشعب اللبناني، وتُشير إلى قمّة الجهل، ويقول: “لا أمل في تغيّر قد يطرأ على الشعوب العربية التي تًصفق للباطل والظالم الذي يرقص على آلامنا وأوجاعنا ونحن من نُتيح له ذلك…”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع