“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
في عنق الزجاجة، عالقة الأزمات على أنواعها، من سياسية واجتماعية ومعيشية وأمنية، فيما تتولى ماكينتا “الحارة” و”المتحف” إغراق “السوق الإستهلاكي” بالأخبار عن تكليف أُنجز في الكواليس بانتظار تظهيره الإثنين، مقابل سيناريوهات سياسية وبرلمانية توحي بمفاجآت، أبعد من تأجيل للإستشارات، لتصل حدود رسم توازنات داخلية جديدة، مرتبطة مباشرة بالمعركة الرئاسية القادمة، وعجز حزب المقاومة عن إدخال قمصانه السود إلى الساحة، لفرض “النجيب” مرشحاً كما حصل في المرة السابقة.
وإذا كانت حظوظ تكليف الرئيس ميقاتي مرتفعة، بحسب ما تبيّن اتجاهات رياح أصحاب الربط والحل في الضاحية، وتغريدات “أصحاب العواصم”، ومزاجية المكلّف الذي عرف مقامه فتدلّل، بعدما باشر اتصالاته على الأرض منذ عودته إلى بيروت، فإنه بات من شبه المؤكد أن الميثاقية المسيحية، لن تكون مؤمنة، بدايةً مع عزوف “القوات اللبنانية” عن تسمية أي كان، وقرار “التيار الوطني” المبدئي بتبني “مرشح التحدي نواف سلام” وتهديد “حزب الله” بتسمية ميقاتي، بعدما انتهت الإتصالات بين الطرفين إلى خلاف جوهري، عبّرت عنه تغريدة مسؤول العلاقات الدولية في “التيار”، بعد اتصال المعايدة الأربعاء الماضي بين “صهر العهد” و”المكلّف مع وقف التنفيذ” الذي بيّن أن الأمور “مش ماشية بين الإثنين”.
على الجهة المقابلة تصرّ بعض القوى السياسية على أن كل الكلام الذي يُحكى عنه والتسريبات المفبركة، من هنا وهناك، ما هي إلاّ بالونات لتمرير الوقت، إذ ان شيئا لن يُحسم، خصوصاً أن كتلاً نيابية عديدة لم تتم مفاتحتها او استشارتها حتى الساعة، فيما المحظي بالكاد باشر اتصالاته، في انتظار حسم تجمع رؤساء الوزراء السابقين أمره وقراره، في اجتماع يعقده اليوم، حيث علم أن بعض اعضائه يطالبون بضمانات أكبر من تلك التي قدمها رئيس مجلس النواب للرئيس سعد الحريري، وبالتالي فهم يريدون ثمن التراجع عن خيار سعد الحريري كي لا يُسجل ما حصل على أنه انتصار للعهد. هذا من جهة ، أمّا من جهة أخرى، المطلوب من الثنائي الشيعي ضمان “تعايش الحد الأدنى” مع جنرال بعبدا وفريقه، خصوصاً أن المكون السني مصرّ على سقفه العالي السابق، وتحديداً ما هو متصل بصلاحيات الرئيس المكلف في “تركيب” الحكومة.
فهل يسلّم السنة بتلك الخطوة، بعدما يكون رئيس الجمهورية قد كسر إرادتهم بجناحيها، بإخراجه الحريري من اللعبة؟ أم هي رهان على الوقت يلعب تحته الجميع؟ في كل الأحوال واضح أن تسمية الرئيس ميقاتي ستفجّر الشمال وطرابلس، ولمن لم يفهم بعد الجو السني الشعبي وهواه، تكفيه مراجعة ردات الفعل على اعتذار الشيخ سعد التي انتهت “بحرق كم برميل زبالة وورمي شوية حجار”.
أمر يتقاطع مع تأكيد مصادر متابعة للحركة الدائرة أن تحديد موعد الإثنين وكيفية إخراجه، بعد رسالة “المنار” الواضحة، إنما جاء لحشر القيادات السنية السياسية والروحية ووضعها في زاوية الإختيار الصعب، تاركاً في الوقت نفسه للثنائي الشيعي حق التدخل لطلب تأجيل الإستشارات إلى حين إنهاء “إستيذ عين التينة” اتصالاته ومشاوراته مع بيت الوسط ومن تمثل، بعدما كان “خضع لتمني”بدوره، “حزب الله” بعدم بق بحصة فشل مبادرته، الذي يتحمله كل من رئيس الجمهورية وصهره، في إصرارهما على شروطهما، فقد”حجب ” إطلالة الخليل التلفزيونية،” لما يولّعها مع البياضة”، مع وعد لأبو مصطفى بأنه لن يكون إلاّ “مبسوطاً” من التسمية، و”لح ياخد حقه بالتكليف”، فعضّ على الجرح ومرّقها، فالله مع الصابرين.
في كل الأحوال وفي حال صحّ وحصل تكليف الرئيس ميقاتي، بمباركة من بيت الوسط، وغضّ نظر، طويل الأمد من البياضة، فإن الكثير من علامات الإستفهام ستُرفع من جماهير التيارين، وقواعدهما الحزبية، إذ كيف للبرتقاليين أن يهضموا تمرير النجيب، هو المطلوب بملفات فساد أمام قاضية الجمهورية؟ وهم الذين تكفّلوا بقيادة الحملة الهجومية المركزة والعنيفة ضده على وسائل التواصل الإجتماعي. وكيف للأزرق أن يقنع ما تبقّى من جمهوره بخياره هذا، هو الذي خرّب البلد عقب اختياره عام 2011؟ والأنكى كيف لماكرون وفرنسا أن يحاضر فينا عن الإصلاح ومكافحة الفساد بعد كل ذلك؟ إنها قمة الحقارة والإستغباء.
فهل حشر جنرال بعبدا نفسه في الزاوية أم استُدرج إلى الفخ؟ وهل فعلاً من سوّق وأدار حملة الميقاتي يريد له فعلاً أن يكون الحل، أم أداة من أدوات حقن الشارع؟ وماذا لو عمدت كتلة “لبنان القوي” إلى إيداع أصواتها أمانة لدى رئيس الجمهورية، مدخلةً البلد في جدلية احتساب الأصوات والنتائج التي سينالها “المرشحون”، في مرحلة بالغة الحساسية والدقة، فتطير الإستشارات وتصبح التهديدات في خبر كان؟
في الجدّ ، الإتصالات بين الرياض وبيروت على قدم وساق، بعيداً عن الإعلام والتسريب ،وما يجري فوق الطاولة من إلهاء لا يمتّ إلى الواقع الحقيقة بشيئ ،والرسائل الإعلامية المتطايرة من كل حدب وصوب لن تقدم أو تؤخر… فالمعطيات كلّها لا تزال غير مؤكّدة، فضلاً عن أن التكليف لن يعني حكماً أن التأليف بات مضموناً… “فيلي جرّب المجرّب كان عقلو مخرب”… من الديك الفرنساوي الماكروني، إلى الزرافة الطرابلسية الميقاتية، على ما يقول الشاطر حسن “ما حكّ جلدك إلاّ ضفرك”… فقم وانتفض أيها اللبناني وارفض ذلّ الاستعباد وإلاّ…”.