بصرف النظر تماماً عما تقرّر ام لم يتقرر بعد، وما ستؤدي اليه الاستشارات النيابية الملزمة إن أجريت في موعدها المقرر، او طرأ طارئ أدى الى ارجائها، ثمة نقطة مبدئية جوهرية تتسلل من صلب اصول الاستحقاق الحكومي ولا تلقى ما يكفي، بل الحد الأدنى مما يلزم، من موجبات الوقوف عندها بما ينذر بتحويلها “مكسبا” خطيراً لأصحاب الهوى الإنقلابي على البقايا التي تنازع من الإصول الدستورية السوية.
ان الكثيرين من النخب والمواطنين اللبنانيين يقفون مذهولين امام الاستهانة بكل المبدئيات المعنوية والديموقراطية والدستورية من دون ردة فعل موازية لهذه الاستهانة التي لا يبررها اطلاقاً ان يتلطّى أصحاب المنطق التبريري بالواقعية السياسية والاستسلام للاخطار التي يحملها التطبع والتكيف مع نمطية “#الفيتو” الذي غالباً ما كانت السلاح الأشدّ خطورة على النظام والدستور والأصول ومن ثم على التوازنات اللبنانية بمجملها بلوغاً الى جعل الفيتو هذا حاكماً للنظام والسلطة والواقع اللبناني برمته. واذا كان من نموذجين ماثلين حالياً في خطورة التسليم لمنطق الفيتو الذي يفرضه فريق مستقو بسلاحه او اخر يستقوي باستناده الى حليفه فهما حصراً في ملابسات اعتذار الرئيس سعد الحريري من جهة والسكوت السياسي والنيابي غير المقبول إطلاقاً عن تسويغ فيتو موضوع على نواف سلام.
تطرح هذه المقاربة لا لرفض حق أحد في تزكية أي مرشح او اسم لرئاسة الحكومة وهذا حق مثبت ومكرس وطبيعي، وانما لمساءلة مكشوفة ومحقة ومشروعة لاولئك الذين يسكتون ويتجاهلون ويمررون الخطورة الكامنة في ان ينجح صاحب الفيتو المكتوم او المضمر او السافر او العلني، لا فرق، في فرض سلوك سياسي قسري من سلوكيات الممنوعات التي تلائمه بلا ردة فعل بحجم هذا التحكم المخيف.
كيف دفع الرئيس سعد الحريري الى الاعتذار وكيف صمت الكثيرون حتى الان عن دفعه الى هذا الخيار لولا التسليم بمنطق الفيتو التي شهر ضده من اليوم الأول لتكليفه بل عشية تكليفه وراح يطارده سحابة تسعة اشهر غير منقطعة الى ان حقق لصاحب الهوى الانقلابي والحالم بازاحة الحريري ما أراده ؟
ليس الامر متصلاً هنا بأخطاء ارتكبت يتلطى خلفها الكثيرون ممن أرادوا تجاهل الوقائع الجوهرية التي قادت الى خسارة اللبنانيين ما كان يمتلكه الحريري ولا يزال من علاقات وإرث كانت لتكون مخزونه الجاهز للشروع فور تشكيل حكومته في وقف الانهيار اللبناني المتدحرج والبدء بالخروج من قاع القعر الذي بتنا نتخبط فيه. المسألة التي تطرح هنا هي سؤال كبير مصيري مفاده هل سلمت القوى اللبنانية قاطبة بهذا النهج الذي يمكن تكراره في أي حقبة بان يجري اسقاط رئيس مكلف بغالبية نيابية عبر فيتو بهذه الفجاجة الانقلابية المخيفة ولا صوت يصدح بما يلزم من مقاومة هذا الخلل المخيف؟
ومن ثم تتكرر على مسامع اللبنانيين وفي قراءاتهم ويوميات تلقيهم التقارير الإعلامية والصحافية من هنا وهناك ان فيتو من نوع آخر وممنوع من صنف مختلف يطرح مرة جديدة على اسم مندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة سابقا والقاضي العضو في محكمة العدل الدولية حاليا الدكتور نواف سلام بمبررات اتهامية اين منها الاحكام الجاهزة المعلبة في أنظمة حلفاء من يرتبطون به أصحاب الفيتو وأصحاب السوابق واللواحق الطويلة السباقة في الارتباطات الخارجية.
امر يكاد يكون أدعى الى السخرية بل والشفقة ان يظن افرقاء لبنانيون في هذا الزمن الانهياري المخيف الذي صار عليه لبنان ان يمر منطق كهذا يفرض حرماً على نخبوي كنواف سلام ويسلم الاخرون بقواعد اللعبة من دون أدنى رفض للمبدأ لا غير. سواء اسقط مجدداً نواف سلام بفيتو سياسي داخلي ام بمسببات أخرى فالرجل نال شرعيته الفائضة من غير القواعد التقليدية للسياسة في لبنان، أي من الشارع النابض بالغضب التغييري كما من الكثير من النخب.
والمسألة تكراراً ليست في الدفاع او التبني او التأسف او أي انفعال آخر يتصل بالاعتذار الحريري كما حصل او بفرض اقصاء اسم نواف سلام، انها مسألة تتصل بسؤال بسيط نهائي: كيف ستمنعون اليوم وغداً وبعده وبعده تمدد الفيتو المقنع او السافر الى الطائف الذي ينازع على ايدي أصحاب الهوى الانقلابي ويكاد يلفظ أنفاسه بين فكي كماشة الانقلابيين والخانعين؟