“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى
ربما أصبح الكلام عن مدى سوء الأكثريّة النيابيّة التي تحكمنا اليوم لزوم ما لا يلزم، باعتبار أنه أصبح من الصعب إيجاد التعابير التي من الممكن أن تعبّر عن حقيقة سوء هذه الأكثريّة التي لا يمكن ان تجد قسوة مماثلة لقسوتها على الشعب اللبناني في قصص وأساطير أكثر الملوك الغاشمين عبر التاريخ، لا بل ما تقوم به هذه الأكثريّة يمكن أن يجمع كل قسوة هؤلاء في واحد.
في الميثولوجيا الإسكندنافية كانت “فالكيري” تختار من يجب أن يُقتل في المعارك ومن لديه الحق بأن تًكتب له الحياة. ما هو الفرق ما بين “فالكيري” والأكثريّة عندنا؟ هذه الأكثريّة النيابيّة تكمل في مسار أزماتها وممارساتها وتكتب على الطفلة جوري السيد، الوفاة لا لسبب سوى لسياسة الدعم التي تستمر بها والتي أوصلتنا إلى نقص حاد في الدواء والمستلزمات الطبيّة في البلاد.
ما الفرق بين الأكثريّة الحاكمة و”أتيلا الهوني” آخر حكام الهون الذي كان شعاره “حيث أمرّ لن ينبت العشب مجدداً”؟ ها هي بلادنا حيث تمرّ هذه الأكثريّة من الممكن ألا ينبت العشب فيها مجدداً. ما الفرق ما بين الأكثريّة النيابيّة و”جينسيس خان” فهو عاش كعبد في صغره ومشهور بالقتل الجماعي بعد توحيده قبائل المغول ، والأكثريّة عندنا كانت في صغرها، ولا تزال جزئياً، مستعبدة من قبل نظام الأسد أيضاً وتقوم اليوم بأكبر عمليّة قتل جماعي لشعب بأكمله وهو الشعب اللبناني؟ ما الفرق ما بين الأكثريّة و”تيمورلنك” الأوزبكي؟ فهو بنى برجاً من عظام البشر والأكثريّة النيابيّة عندنا بنت عروشها وبيوتها من عرق وتعب وأموال الشعب.
ولكن مهما قلنا، لا حياة لمن تنادي، تستمر الأكثريّة النيابيّة بممارساتها غير آبهة، وتسوقنا كشعب مرغمين من أزمة سياسيّة إلى أخرى في حين أننا في أمسّ الحاجة اليوم قبل الغد إلى الحل، فبعد أزمة التأليف ونهايتها الدراميّة نحن اليوم نعيش أزمة التكليف. وفي هذا الإطار، أكّدت أوساط سياسيّة، أن الإصرار على تشكيل حكومة في ظل الأوضاع السياسيّة الراهنة والتطورات الأخيرة، فهذا يعني أن هناك قراراً اتُخذ من قبل الأكثريّة الحاكمة للمماطلة قدر الإمكان بعذابات اللبنانيين، وفي هذه الحال على الشعب ان يحاسب وبقوّة عندما تتاح أمامه الفرصة للقيام بذلك.
ولفتت الأوساط إلى أننا دخلنا مرحلة أزمة التكليف اليوم، حيث نسمع أسماء من هنا وهناك تطرح لتولي كرة النار هذه ، إلا أن المشكلة تكمن في مكانين، الأول لدى الشرعيّة السنيّة التي يجب على من يريد أن يقدم على تولي هكذا مسؤوليّة في هذا الظرف أن يتمتّع بها، والمكان الثاني هو الشخص نفسه.
وأوضحت الأوساط أنه وبالنسبة لمشكلة الشرعيّة السنيّة، فمن الواضح أن ما يطلق عليه نادي رؤساء الحكومات السابقين، عزم الخيار على عدم إعطاء الشرعيّة السنيّة السياسيّة لأي مرشّح قادم، كما أنه وعلى ما يبدو لن يحصل هذا المرشح على الشرعيّة السنيّة الدينيّة من قبل مفتي الجمهوريّة. وسبب هذا الأمر هو أن ما انتهت إليه تجربة الرئيس سعد الحريري، أظهر بشكل من الأشكال، أن العهد قد انتصر في نهاية المطاف في معركته المباشرة مع الحريري، وقد دفعه في نهاية المطاف للإعتذار، وهو الأمر الذي وضعه العهد هدفاً نصب عينيه منذ تكليف الحريري.
واعتبرت الأوساط أن نادي رؤساء الحكومات السابقين ومعهم الشرعيّة الدينيّة السنيّة ، يريدون ردّ الصاع صاعين للعهد، ولن يجدوا سبيلاً للقيام بذلك سوى عبر حجب الغطاء السني عن أي مرشح ممكن أن يُطرح من قبل العهد أو الأكثريّة النيابيّة ، وبالتالي هذا المرشح لن يكون مدعوماً أبداً من قبل بيئته. وهنا تُرمى المسألة عند الشخص نفسه، فهل سيتمكن العهد والأكثريّة النيابيّة من إيجاد شخص يرضى بأن يُكلّف من دون الحصول على غطاء بيئته؟
وأشارت الأوساط إلى أنه بغض النظر عن كل المشكلة السابقة، هناك مشكلة سياسيّة أساسيّة في مسألة التكليف وهي التوافق على الشخص، فالمسألة لا تقف فقط عند مسألة الشرعيّة السياسيّة والدينيّة السنيّة وإمكان قبول الشخص أن يُكلّف من دون غطاء بيئته، وإنما أيضاً على ان يتوافق أقطاب الأكثريّة على الإسم قبل الذهاب إلى الإستشارات النيابيّة الملزمة في القصر الجمهوري، وهذه قضيّة أخرى، فإن كانت مسألة الشرعيّة السنيّة ممكن ان تُحلّ بإيجاد شخص يقبل بالتكليف من دون حصوله عليها ، فمسألة التوافق على اسم أمر آخر كلياً، لأنه بعد تجربة الرئيس الحريري ، هناك عامل طرأ على الأكثريّة النيابيّة مهمّ جداً وهو اعتبار رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه بدفع الرئيس الحريري على الاعتذار إنما قد سجّل العهد نقطة عليه.
وشددت الأوساط على أنه من غير الممكن أن يقبل الرئيس بري بالذهاب إلى تكليف شخصيّة وإن كانت من صلب تحالف الأكثريّة النيابيّة، أي 8 آذار، من دون الإتفاق مسبقاً على شكل الحكومة والتوازنات داخلها، وفي هذا الإطار هناك شبه مواقفة من قبل “حزب الله” على هذه المسألة، باعتبار أن الأخير لا يريد نكرار تجربة التجاذب القوي ضمن الفريق الواحد خصوصاً وأننا على أعتاب معركة انتخابية مصيريّة بالنسبة له ولمشروعه في لبنان.
ورأت الأوساط أنه يبدو أن الاستشارات النيابيّة التي دعا لها رئيس الجمهوريّة “بسرعة” نهار الإثنين المقبل في 26 تموز، إنما هي خطوة يمكن أن تُفهم ضغطاً من قبل العهد ، أولاً على حلفائه في الأكثريّة النيابيّة وخصوصاً الرئيس بري، لأن الوقت لا يكفي للإتفاق على كل التفاصيل، فالعهد يريد الذهاب إلى الإتفاق على الإسم فقط، من أجل أن يكمل الكباش الذي كان ما بينه وبين الحريري مع الرئيس بري ، من أجل الضغط بما أوتي من قوّة من أجل تشكيل حكومة على الشكل الذي يريده وبالتوازنات التي يريدها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
ختاماً، لا بد أن المشهد الحكومي اليوم على قدر كبير من الغموض ولا تزال مسألة البحث عن رئيس مكلّف في بدايتها، إلا أن الأيام المقبلة ستُظهر لنا من هو الإسم الأكثر ترجيحاً للإتفاق عليه، باعتبار أن الأسماء المطروحة اليوم لكل منها ظروفه وحيثيته وحظوطه في الوصول.