ما لبث أن أعلن الحريري اعتذاره عن التأليف بعد تقديمه “تشكيلة الاعتذار” لعون في اجتماعهما التاسع عشر، حتى قفز دولار السوق السوداء قفزة جنونية ليحلّق طائراً ويلامس سقف الـ 23 ألف ليرة! بعد أن كان قد انخفض 400 ليرة عند اعلان القصر الجمهوري عن زيارة الحريري لبعبدا. ما يؤكّد أنّ محرّك تقلّب سعر الصرف صعوداً ونزولاً هو سياسي.
جاء اعتذار الحريري في أسوأ ظرف اقتصادي ومعيشي واجتماعي يمرّ به لبنان في تاريخه. ليحدث خضّة كبيرة في الشارع وينذرنا بأنّ الفراغ سيطول. فما هي انعكاسات هذا الاعتذار على الوضع الاقتصادي؟ وهل دخل لبنان مرحلة الفراغ من جديد؟ وما الصلاحيات التي بإمكان حكومة تصريف الاعمال استخدامها للحدّ من تداعيات الازمة الاقتصادية وضبط الوضع الاقتصادي؟
تداعيات خطيرة على الوضعين الاقتصادي والمالي
في حديث لـ “نداء الوطن” رأى الخبير الاقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد أنّ “السبب الرئيسي لأزمات لبنان المتتالية في مختلف القطاعات يعود إلى ازمة سياسية حادّة ومعركة شدّ حبال وعصب طائفي قبل الانتخابات النيابية. وخير دليل على ذلك اعتذار الحريري عن تشكيل حكومة جديدة كان البعض يأمل بانها ستحد من التخبط المالي الخطير الذي يعيشه البلد وتضبط الازمة”. مشيراً إلى أنّ “ارتفاع سعر الدولار في أقلّ من يومين بأكثر من 3000 ليرة، ليس بحالة اقتصادية واضحة ولها أسبابها العلمية. إنما هو دليل على مدى تأثير السياسة على الاقتصاد في لبنان، فالتخوف من عدم الاتفاق على حكومة جديدة أدى ومن دون ضوابط مالية إلى هذا الارتفاع الهائل في سعر الصرف”.
ويحذّر عبد الصمد من أنّ “لبنان قادم على مرحلة صعبة جداً ريثما يتمّ تكليف شخص جديد بتشكيل الحكومة، حيث سنشهد في المرحلة المقبلة المزيد من الانهيار المالي خصوصاً وأنّ المصرف المركزي سيكون مضطراً إلى طباعة المزيد من العملات ما سيؤدي إلى زيادة نسبة التضخم من جهّة وارتفاع أسعار السلع والخدمات من جهة أخرى كما ستتراجع قيمة العملة الوطنية أكثر وأكثر امام الدولار، الذي سيرتفع الطلب عليه تلقائياً، وكلما ارتفع الطلب على الدولار انهارت الليرة أكثر”.
لبنان… فنزويلا 2؟
قد يشهد لبنان في المرحلة المقبلة بحسب عبد الصمد “ارتفاعاً خطيراً في مستويات الفقر والتي تخطت حاجز الـ 30% في آخر عام 2020 وفق آخر الأبحاث. بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة الى مستويات عالية قد تتخطى نسبتها الـ 50% مع غياب الاحصائيات الرسمية في هذا الإطار”.
وبعد اعتذار الحريري، يتابع الخبير الاقتصادي، فان التوجه نحو فراغ حكومي طويل أو حكومة من لون واحد، قد يفقد لبنان الامل في تلقي أي مساعدة دولية وقد يضطر المصرف المركزي مع غياب المساعدات إلى ضخ المزيد من العملات اللبنانية في الاسواق لتغطية الرواتب ومستلزمات قيام الدولة. ما سيؤدي بالتأكيد الى زيادة التضخم المالي إلى مستويات لم يسبق لها مثيل وإلى أرقام قد تذكرنا بدول كفنزويلا وبعض الدول الافريقية.
هذا ولا يستبعد عبد الصمد أن يضطر المركزي للتدخل من جديد في السوق اللبناني لضبط سعر صرف الدولار الامر الذي سيؤدي إلى استنزاف ما تبقى من الاحتياط الالزامي.
وتخوّف عبد الصمد من تأخر حصول لبنان على حصته من صندوق النقد الدولي، أو من أموال سيدر، لا بل من ضياع الفرصة، وسط غياب حكومة تتفاوض مع صندوق النقد. محذّراً من أنّ كلّ تأخير في تشكيل الحكومة قد يدخل البلد في فوضى أمنية واجتماعية لا تحمد عقباها. فلبنان بحاجة إلى حكومة في أسرع وقت ممكن للمباشرة بالإصلاحات ووضع خطط اقتصادية إنقاذية لانتشال البلد من أزمته، وإلا فنحن سنكون على موعد مع نقطة الصفر والانفجار الاجتماعي الكبير.
ما دور حكومة تصريف الأعمال؟
قد يجد بعض المحتكرين والمهربين في الفراغ الحكومي فرصة لتوسيع نشاطاتهم، يقول عبد الصمد، لذا يتوجّب على حكومة تصريف الأعمال العودة عن اعتكافها، وضبط الحدود وتوقيف التهريب وملاحقة المحتكرين.
فمع بقاء السلطة في يد الحكومة المستقيلة والمعتكفة عن عملها، والتي لا يمكن لها أن تتخذ قرارات تغييرية، نحن أمام جمود سياسي قد يزيد من هول الانهيار الاقتصادي ويزيد من الانكماش مع نهاية العام الحالي. بحسب عبد الصمد. وذكّر بأنّ حكومة دياب لتصريف الاعمال فاقدة لثقة المجتمع الدولي والشعب اللبناني على حد سواء. ما يصعّب عليها أي محاولة في إطار اصلاح الوضع، ويبقي محاولاتها ضمن إطار الترقيع السياسي والاقتصادي.
على اللبنانيين التحرك قبل فوات الاوان
وبما أنه لا اتفاقات سياسية ولا حلول اقتصادية ولا رؤية مستقبلية ولا مساعدات دولية، يتوجب على اللبنانيين برأي عبد الصمد “الشروع بشكل جدي في التغيير الكامل على الصعيد السياسي والاقتصادي قبل فوات الاوان ودخولنا في حقبة الفوضى العامة وما يوازيها من فوضى أمنية، مع ارتفاع أسعار الأدوية والمواد الاساسية ومتطلبات الحياة البديهية”.في المحصّلة لا شكّ أنّ ما ينتظر اللبنانيين في المرحلة المقبلة سيكون أصعب من الذي سبقه، ليبقى الحلّ الاقتصادي مرهوناً بالحلحلة السياسية. وعلى أمل أن يستفيق الحكام قبل فوات الأوان سيناريو سوداوي يلوح بالأفق منذراً من انفجار اجتماعي حقيقي.