إنجي مجدي -أندبندنت
تصاعدت حدة الخلاف بين الإدارة الأميركية وشركات التكنولوجيا الكبرى، التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن قال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين، الجمعة 16 يوليو (تموز)، إن “فيسبوك” ومنصات أخرى “تقتل الناس” من خلال السماح بنشر معلومات مضللة عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. وهو ما استدعي رد مضاد من العملاق الأزرق، الذي يعتبر أن هذه التصريحات محاولة للبحث عن “كبش فداء” لفشل بايدن في تحقيق أهداف التطعيم.
ووفق وسائل إعلام أميركية، الأحد، قال مسؤول في “فيسبوك” إن “البيت الأبيض يبحث عن كبش فداء لإخفاقه في تحقيق أهداف التطعيم”.
سبق تلك التعليقات الحادة، بيان لمتحدث باسم “فيسبوك”، نشره مراسل شبكة “إن بي سي”، ديلان بايرز، يسلط الضوء على جهود الشركة لتشجيع اللقاحات. وبحسب بايرز، قالت الشركة “لن نشتت انتباهنا، الاتهامات التي لا تدعمها الحقائق… الحقيقة هي أن أكثر من ملياري شخص شاهدوا معلومات موثوقة حول كوفيد-19 واللقاحات على فيسبوك، أكثر من أي مكان آخر على الإنترنت”.
وأشار البيان إلى أن “أكثر من 3.3 مليون أميركي استخدموا أداة البحث عن اللقاحات الخاصة بنا لمعرفة مكان الحصول على اللقاح وكيفية ذلك. وتظهر الحقائق أن فيسبوك يساعد في إنقاذ الأرواح.” وأفاد بايرز أن مسؤولاً في “فيسبوك” طلب عدم الكشف عن هويته وأصدر بياناً آخر في شأن كوفيد، يدعي أن الرئيس الأميركي يسعى لإلقاء اللوم على الشركة لفشله في تحقيق أهداف التطعيم التي رصدها سابقاً.
وحددت إدارة بايدن هدفاً يتمثل في تلقيح 70 في المئة من السكان البالغين في الولايات المتحدة جزئياً على الأقل ضد كوفيد-19 بحلول 4 يوليو (تموز) الحالي، لكن هذا الهدف الطموح لم يتحقق. إذ إنه بحلول هذا التاريخ تلقى 67 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة جرعة واحدة على الأقل. ووفقاً لمجلة “نيوزويك”، تقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إن هذا الرقم يبلغ الآن 68 في المئة.
وبينما كان يستعد لمغادرة البيت الأبيض لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، قال بايدن، الجمعة، رداً على سؤال عن الرسالة التي يوجهها إلى شبكات مثل “فيسبوك”، “إنهم يقتلون الناس. الجائحة الوحيدة التي لدينا، تطال أشخاصاً لم يتلقوا التطعيم. إنهم يقتلون الناس”.
مكافحة الاحتكار
المتابع لإجراءات البيت الأبيض حيال شركات التكنولوجيا الكبرى، المعروفة بـ”بيغ تك”، يجد أن الخلاف الذي ظهر على السطح قبل يومين سبقه توتر في العلاقة بين الطرفين الذين يواجها معاً اتهامات من الحزب الجمهوري، ولا سيما المحافظين، بالتعاون للترويج للأجندة السياسية للحزب الديمقراطي.
فقبل أسبوع، وقع بايدن أمراً تنفيذياً يستهدف بعض الممارسات التجارية الشائعة لدى شركات التكنولوجيا الكبرى، بعنوان تعزيز المنافسة في الاقتصاد الأميركي. ويتضمن الأمر مجموعة من المبادرات التي تنطوي إحداها على توجيهات ذات أهمية خاصة لـ “أمازون” و”أبل” و”فيسبوك” و”غوغل” و”مايكروسوفت“، وهي أقوى خمس شركات تكنولوجية مقرها في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
وفقا لشبكة “سي إن إن”، فإن الأمر التنفيذي يوسع “هجوم بايدن” على شركات التكنولوجيا من خلال وضع سياسة واسعة لفحص عمليات الاندماج بشكل أكبر. ويستهدف ما يسمى بـ “عمليات الاستحواذ القاتلة” التي تشمل منافسين ناشئين، وهو نوع الصفقات التي يقول النقاد إن “فيسبوك” شارك فيها عندما اشترى تطبيقي “إنستغرام” و”واتساب”.
ويستهدف نموذج الأعمال الرئيسي في وادي السيليكون (المنطقة التي تضم شركات التكنولوجيا في سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية)، جمع واستخدام كميات كبيرة من بيانات المستهلك، وتحفيز شركات التكنولوجيا ذات خطوط الأعمال المتعددة على الترويج المتبادل لخدماتها، ذلك على حساب المنافسة. وهو النموذج الذي اعتبره الرئيس الأميركي يتعارض مع الرأسمالية الأميركية التي تقوم على منافسة عادلة ومفتوحة، قائلاً إن “رأسمالية بدون منافسة ليست رأسمالية، إنها استغلال”.
وأشار بايدن إلى أنه “بدون منافسة صحية، يمكن للاعبين الكبار تغيير وشحن كل ما يريدون ومعاملتك كما يريدون. وبالنسبة إلى كثير من الأميركيين، هذا يعني قبول صفقة سيئة لأشياء لا يمكنك الاستغناء عنها. لذلك، نحن نعلم أن لدينا مشكلة، مشكلة كبيرة. لكن لدينا أيضاً فرصة رائعة”.
وينطوى الأمر التنفيذي أيضاً على حث لجنة التجارة الفيدرالية لصياغة قواعد جديدة بشأن جمع بيانات شركات التكنولوجيا وممارسات مراقبة المستخدم.
الخطاب السياسي
ويبدو إن الرئيس الأميركي يستهدف كبح جماح هيمنه عمالقة التكنولوجيا ليس على صعيد السوق والمنافسة فحسب، لكن في ما يتعلق بالسلطة التي تستحوذها منصات وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين والتحكم في حظر أو السماح بمنشورات أيضاً.
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وجه بايدن خطاباً مفتوحاً إلى الرئيس التنفيذي لـ”فيسبوك” مارك زوكربيرغ، يطالب بحذف المعلومات المضللة التي تنتشر على نطاق واسع حول الانتخابات وفرض ضوابط تتعلق بالخطاب السياسي “يتم تطبيقها على الجميع بمن فيهم (الرئيس السابق) دونالد ترمب، لمنع سلوك التهديد والكذب بشأن كيفية التصرف أثناء الانتخابات”، وهو على الأغلب ما استجابت له “فيسبوك” و”تويتر” عندما كان يتم الحاق تغريدات ومنشورات ترمب بتحذير يدعو لتقصي الحقائق، ثم أخيراً غلق حساباته بعد أحداث الهجوم على مبني الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.
وعلى الجهة الأخرى، لطالما شكا المحافظون من تعرضّهم للإقصاء من المشرفين على المنصات الاجتماعية التي تديرها شركات وادي السيليكون. ففي 17 يوليو (تموز) 2018، عُقدت جلسة استماع في الكونغرس وُجهت خلالها اتهامات لشركات “فيسبوك” و”غوغل” و”تويتر” بممارسات ذات دوافع سياسية تتعلق بإزالة بعض المحتويات.
وخلال الجلسة، انتقد نواب جمهوريون من المحافظين شركات التكنولوجيا الأميركية بشأن ما أسموه التحيز ضد التيار المحافظ واستغلال آليات تنقية المحتوى السياسي في ذلك، وهي الاتهامات التي نفتها الشركات الثلاث. واتهم النائب بوب جودلاتي، رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب، آنذاك، منصات التواصل الاجتماعي بالعمل على “قمع وجهات نظر معينة والتلاعب بالرأي العام”.
غير أن اتهامات المحافظين قُوبلت باستنكار ودفاع من قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس، إذ انتقد النائب الديمقراطي، ديفيد سيسيلين، جلسة الاستماع وقال إن “فيسبوك” لمدة عامين “تراجع إلى الوراء لاسترضاء المحافظين”. وأشار إلى فشل المنصة “الزرقاء” في إزالة صفحات تدعم نظريات المؤامرة غير المؤكدة.
وبعد تقارير في عام 2016 تفيد بأن موظفي شركة “فيسبوك” ربما قاموا بحذف أو إخفاء القصص والمنشورات لمؤلفين من التيار المحافظ في ميزة “الموضوعات الشائعة”. ما دفع بجهود ضغط واسعة من الجمهوريين بما في ذلك السيناتور جون ثون، فجعل “فيسبوك” الميزة آلية بالكامل في أغسطس (آب) من العام نفسه، لمنع التحيز البشري المحتمل، ثم أغلقت في وقت لاحق تماماً.
النفوذ المتزايد لـ”بيغ تك”
وبينما يشكو اقتصاديون من قضايا الاحتكار التي تطرحها شركات التكنولوجيا العملاقة، يشعر الساسة بالقلق بشأن النفوذ السياسي الذي تفرضه هذه الوسائل وهو ما جعل قضايا هذه الشركات في قلب الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020. وخلال سباق الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي، دعت السيناتور الديمقراطية الرفيعة، إليزابيث وارن، إلى تفكيك شركات التكنولوجيا الأميركية محذرة في منشور على الإنترنت “تتمتع شركات التكنولوجيا الكبرى اليوم بقوة أكثر من اللازم، وسلطة أكثر من اللازم على اقتصادنا ومجتمعنا وديمقراطيتنا، ولقد جرفوا المنافسة، واستخدموا معلوماتنا الخاصة من أجل الربح وحركوا ساحة اللعب ضد الجميع”.
ووصفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، موقف وارن، آنذاك، بأنه شعبوي حاد. لكنها لم تكن الديمقراطية الوحيدة التي دعت للتعامل بصرامة مع النفوذ المتزايد لشركات التكنولوجيا الأميركية، فنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي كانت آنذاك سيناتوراً من كاليفورنيا، الولاية التي تتمركز فيها تلك الشركات، ضغطت مراراً على المسؤولين التنفيذيين بشأن خصوصية المستهلك ولكنها ابتعدت عن التصريحات المباشرة الخاصة بالحد من نفوذ عمالقة التكنولوجيا. وأعرب السيناتور بيرنى ساندرز والسيناتور إيمى كلوبتشر، عن استعدادهما للحد من نفوذ الشركات مثل “فيسبوك” و”غوغل” و”أبل” و”أمازون“، خلال مساعيهم للترشح لانتخابات الرئاسة.
قلق بشأن اللقاحات
واللافت أن الرئيس بايدن بدا مستخدماً لهجة تشبه سلفه السابق ترمب في اتهام منصات التواصل الاجتماعي بنشر الأخبار المضللة، وهي الطريقة التي أثارت انتقادات لاذعة للرئيس السابق، مع الفارق الشاسع في كثافة وحدة اللهجة التي استخدمها الأخير ضد تلك المنصات.
لكن، هناك حالة قلق واضحة داخل البيت الأبيض بشأن المعلومات الخاطئة المتعلقة بسلامة اللقاحات وفعاليتها في الأسابيع الماضية، خصوصاً وأن الإصابات الجديدة، التي تُعزى جزئياً إلى متحورة “دلتا” شديدة العدوى، قد ارتفعت داخل الولايات المتحدة مقابل معدلات تطعيم منخفضة نسبياً.
والخميس الماضي، أصدر كبير الأطباء في الولايات المتحدة، فيفك مورثي، تقريراً يصف المعلومات الصحية الخاطئة بأنها تمثل “تهديداً عاجلاً” لجهود إدارة بايدن لتكثيف عملية التطعيم. ودعا التقرير شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي إلى بذل مزيد من الجهد لمكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت، والتي قال مورثي إنها “يمكن أن تسبب الارتباك وزرع عدم الثقة وتقويض جهود الصحة العامة، بما في ذلك عملنا المستمر لإنهاء جائحة كوفيد-19”.