} د.وفيق إبراهيم-البناء
التخصيب النووي الإيراني اصبح اداة تريده إيران لتحقيق مطالب سياسية تسعى لنيلها من المجموعة الأميركية – الغربية، كما تعمل على إسكات “اسرائيل” في صراعاتها في المحور السوري – حزب الله.
المفاوض الأساسي مع إيران هم الأميركيون الذين التزموا عملية خفض ما تملكه الجمهورية الاسلامية من إمكانات نووية مع محاولة خفضها الى درجة تتناسب فيها مع عجزها عن إنتاج قنبلة نووية وحصرها في اطار الاستخدامات المدنية الصرفة بمعدلات تخصيب لا ترتفع عن 20 في المئة او أكثر بقليل.
هناك اذاً طاولة مفاوضات أميركية – إيرانية مفتوحة في فيينا تسعى الى الحل السلمي بين الفريقين وإلغاء تخصيب النووي بشكل لا يعود فيه قادراً على إنتاج قنبلة نووية.
إنما لماذا هذا الجهد الأميركيّ المبذول لتعطيل مشروع قنبلة نووية إيرانية والمنطقة مليئة بمثيلاتها؟ ألم يقُل جاك شيراك الرئيس الفرنسي الراحل، دعوا إيران تنتج تلك القنبلة نحن قادرون على تدميرها وهي على الأرض الإيرانية؟
للتنبيه فقط فإن الأميركيين يفاوضون الإيرانيين في فيينا حالياً على خفض التخصيب النووي الى معدلات إنتاج مدنية، لكنها تعكس سراً آراء من روسيا والصين وباكستان و”اسرائيل” وكامل اوروبا، ترفض بدورها اي عمل على قنبلة نووية إيرانية.
لا بدّ هنا من الاشارة الى ان الأميركيين يفاوضون إيران من اجل “اسرائيل” وليس من اجل هذه المجموعة الدولية التي تستطيع بدورها التفاوض مع طهران من موقع قوة.
فـ”إسرائيل” هي الوحيدة في المنطقة العربية تمتلك واحدة منها وهي من اسباب تميزها وتقدمها في الشرق الأوسط.
لذلك يمنع الأميركيون اي طرف إسلامي امتلاكها. لكن باكستان بمفردها توصلت الى صناعتها بتسهيلات أميركية سببها الصراع الباكستاني مع الصين وحيناً الهند بشكل تتضايق فيه ايضاً روسيا القريبة من المكان.
اما الإشكالية المطروحة هنا، فهي ان إيران تريد إنتاج قنبلة نووية تتلاعب فيها بمعدلات تخصيب اليورانيوم فتارة توقفه عند حدود الاستعمالات المدنية وطوراً تدفعه نحو معدلات إنتاج القنبلة النووية ويلاحقها الأميركيون في الكبيرة والصغيرة والى جانبها “اسرائيل” للحيلولة دون إدراك هذا القدر الصعب الذي قد يسجل بدايات نهاية الدولة العبرية في فلسطين المحتلة مع انحسار كبير في معدلات النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
ماذا تريد إيران مقابل وقف تخصيبها النووي عند حدود الاستخدام المدني في العشرين في المئة؟
تريد اولاً الاستمرار في التخصيب عن حدود العشرين في المئة واستعادة مئات مليارات الدولارات من اموالها التي لا تزال مصادرة في أميركا واوروبا.
اما سياسياً فتعتبر ان حماية نفوذها في الشرق الاوسط يبتدئ بمسألتين: علاقتها بالمحور السوري وحماية أدوار حزب الله في صراعه مع العدو الاسرائيلي، فهل هذا ممكن؟
قد تكون هذه المطالب اقوى على الأميركيين من مسألة تراجع التخصيب النووي الى 20 في المئة.
فالدور الإيراني مع حزب الله وسورية يمسكان بالحركة الفلسطينية، فيصبح هناك رباعياً من أقوى اصحاب الحركة العسكرية والسياسية في الشرق الاوسط وهم إيران وسورية وفلسطين وحزب الله.
يكفي أن تغييراً في العلاقة الدولية مهيأ للتمدد في هذه المنطقة على اساس تدحرج روسي صيني بوسعه لعب دور عسكري اقتصادي وبالتالي سياسي في المنطقة الإيرانو – سورية الجديدة.
فهل يقبل الأميركيون بهذا التطوّر؟
يجمع الخبراء على استحالة قبول الأميركيين بأدوار روسية وصينية وإيرانية في الشرق الأوسط على نطاق واسع ويعتبرون أن اتفاقهم مع إيران قد يمهّد لتحالف صيني – روسي إيراني سوري حزب الله، قد يصبح أقوى حلف في العالم واضعاً حداً صلباً للسيطرة الأميركية الأوروبية نحو عصر جديد.
هذه الخلفيات ليست بعيدة عما يدور في أذهان الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين لذلك فهم يفاوضون إيران عاملين على أسرها داخل اتفاقات بسيطة جداً لا تؤدي الى انتقال ماكنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية الكبرى الى الشرق الأوسط.
يكفي ان السعودية واحداً من اكثر الدول التي ترفض اي دور إيراني في المنطقة العربية. وتقف هنا الى جانب “اسرائيل” في الضغط على الأميركيين للامتناع عن هذا النمط من التحالفات.
والحركة السعودية واضحة في رفض المفاوضات الأميركية – الإيرانية وتعمل هذه الحركة بكل ما أوتيت من قوة تحالفات عربية (مصر وإسرائيل) وصولاً الى حدود توزيع الهبات والمعونات لجعل كل الدول قابلة لرفض الدور الإيراني الكبير في بلاد الشام.
هناك سؤال صغير وجهه البعض الى السعوديين الا تعتبرون أدوار حزب الله في بلاد الشام مدعومة من إيران وجزءاً من مشروعها؟
وهكذا تستمر المفاوضات الأميركية الإيرانية المحكومة بتطورات موازين القوى التي يبدو انها لصالح إيران، تستمرّ حتى اقتناع الأميركيين أنه لا يمكن عزل دولة بحجم إيران من منطقة الشرق الأوسط.