ناصر قنديل-البناء
– منذ انفجار انتفاضة تشرين 2019 والشعب اللبنانيّ بين شاقوفين، الأول محاولة توظيف غضبه من الأزمة البنيويّة التي انتهى اليها نظام الشراكة الداخلي والخارجي القائم على الدَّين والفوائد وتثبيت سعر الصرف، لتحويله غضباً على المقاومة وسلاحها، والثاني محاولة القوى السياسية التي أحست بخسارة شعبيتها الطائفية لحساب خطر اصطفاف اجتماعي عابر للطوائف لردّ الناس الى الحظائر الطائفية، بغياب أية محاولة جدية وازنة لتشكيل خيار ثالث وطني يحمي مصادر قوة لبنان واستقلاله ويسعى لتوظيف الضغط الاقتصادي لصالح تشكيل منصة عابرة للطوائف تفتح الطريق لقيام دولة حقيقيّة افتقدها لبنان منذ ولادته السياسيّة قبل مئة عام، وكل ما شهدناه خلال السنتين الماضيتين من مشاريع مالية وحكومية ومقاربات داخلية وخارجية يقع بين هذين الحدّين، وما شهدناه ليلة أمس، في المسار الحكوميّ لا يخرج عن هذا السياق.
– المحطة الفاصلة التي وضعها المساران التدميريان للبنان واقتصاده ومجتمعه أمامهما، هي الانتخابات النيابية وفقاً لكلمة السر التي أطلقها السفير الأميركي السابق جيفيري فيلتمان، وسلكها المساران، وعنوانها شحذ السكاكين الطائفيّة للفوز بهذه الانتخابات من جهة، وتجهيز تشكيلات المجتمع المدنيّ مالياً وإعلامياً لحجز حصة تتيح إبقاء قضية سلاح المقاومة على جدول الأعمال، وإضعاف القوى التي تساند هذا السلاح في بيئاتها الطائفية تحت ستار شعارات التغيير، وكل أوهام عن مسارات افتراضيّة أخرى لا يقارب الواقع ولا يشبهه.
– يعرف صناع السياسة الخارجيون والمحليون أن فرص الإنقاذ وحكومات إنقاذية كانت متاحة ولا تزال متاحة، لكنها تستدعي وضع الهدفين المتصلين بالتعبئة والشحن الطائفيين، من جهة، وتخديم البرنامج الخارجي الذي يستهدف سلاح المقاومة من جهة أخرى، جانباً، وهذا يفترض بالقوى التي تشكل بنظر الخارج منصات صالحة للاستعمال بوجه المقاومة وتملك شوارع طائفية، التخلي عن ما تراه مصلحتها لمحاكاة الخارج والحصول على دعمه من جهة، والتخلي عن تحريض وشدّ عصب شارعها الطائفي بسلوك وخطابات تصل به الى حد الجهوزية لحافة الحرب الأهليّة، من جهة أخرى، وهذا وفق التركيبة اللبنانية وقواعد العمل من ضمنها يعني في لغتها الانتحار، وبالمقابل هذا يستدعي من القوى الداعمة للمقاومة مغادرة الحسابات التي تراعي مصالحها الطائفية والخطاب الطائفي لتشكيل جبهة إنقاذ عابرة للطوائف تقدّم برنامجاً مالياً اقتصادياً إنقاذياً، متاحاً واقعياً، لكنه يهدد رموز هذه القوى بالتعرض لعقوبات مالية أميركية، وغضب غربي وخليجي، والتعرض لفرضيات خسارة بعض الكتل المتطرفة طائفياً في بيئاتها وشوارعها، وهي تنظر بلغتها لهذا الخيار كانتحار.
– كي لا ينتحر الأطراف المعنيّون، وفقاً لنظراتهم ومفاهيمهم وحساباتهم، يبدو لبنان سائراً نحو الانتحار، حيث لا سقف لسعر الصرف، ولا قعر للتدهور الاجتماعي، ولا حدود للتوتر الطائفي، وحيث يصير تشكيل حكومة جديدة مجرد شراء للوقت حتى الانتخابات النيابيّة، ضمن ضوابط لا تُغضب أصحاب المسارين الداخلي والخارجي، ومشكلة الشعب اللبناني أنه متموضع بصورة جذريّة على قواعد اللعبة الطائفيّة وصولاً للحرب الأهليّة الباردة التي تطل برأسها، وخطر الانزلاق الى ما هو أسوأ، ومستعد للذهاب الى الانتخابات النيابية على قاعدة خيارين انتحاريين، واحد يبشر بحرب أهلية ونظام معطل عن العمل بفيتوات طائفية، وثانٍ يبشر بتغيير كاذب مربط خيله في السفارات، ليقرّر في الانتخابات حجم الأسهم التي حصدها هذا الخياران في بورصة الحرب الأهلية سواء بوجوهها الباردة أو التي تبشر بالسخونة، ولو موضعياً وظرفياً.