يبدو أن لبنان مقبل على جهنّم حقيقي بعد كل التطورات الحكومية الأخيرة والتي توحي بأن البلاد ستبقى بلا حكومة إلى أمد غير معروف.
حسم الرئيس سعد الحريري موقفه وقرّر أن يتكلّف ويدخل المواجهة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، متسلحاً بوضع التكليف في جيبه ظنّاً منه بأن هذا الأمر سيفتح أبواب المملكة العربية السعودية أمامه، فكانت النتيجة سلبية بامتياز ووصل الحريري إلى ما وصل إليه.
ولعبت الدول لعبتها في موضوع التأليف، وأصرّت على تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّة تُباشر الإصلاحات وتضع حدّاً لموضوع الهدر والسرقات، وتُعيد هيكلة مالية الدولة وتتفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكن الصراعات الداخلية أفشلت كل الوساطات وأطاحت كل المبادرات سواء الداخلية أو الخارجية، وتُركت البلاد لقدرها بلا مجلس وزراء فاعل يُعالج الأزمات المتراكمة.
وفي السياق، فإن روسيا كانت من أكثر الدول دعماً للرئيس الحريري من دون قيد أو شرط، حتى وصل بها الأمر إلى تحميل عون وباسيل مسؤولية العرقلة الحكومية، وبرز مسعى روسي في الساعات الأخيرة تمثّل باتصال نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس بوتين إلى افريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف بباسيل من أجل تسهيل مهمة الحريري، وكذلك حاولت موسكو ثني الحريري عن اعتذاره إفساحاً في المجال للمزيد من التشاور والإتصالات الداخلية والدولية، لكن كل مساعي روسيا الحكومية لم توصل إلى أي نتيجة.
ولم يتبدّل الموقف الروسي، عكس ما حاول البعض الإيحاء به، فالإصرار الروسي كان على حكومة مستقلّين برئاسة الحريري وبلا ثلث ضامن لأحد، لكن كل هذه المواقف الروسية لم تُشكّل عامل مساندة للحريري الذي “استخفّ” كما يبدو بمواجهة عون وباسيل.
وكان الموقف الروسي يدعو الحريري إلى مزيد من التريث لأن هناك معطيات إقليمية ودولية قد تتغيّر، وهناك رهان روسي على نجاح محادثات فيينا النووية مع إيران، ما قد يفتح باب التسويات في الشرق الأوسط والمنطقة. وعلى رغم العثرات في فيينا، إلا أن الروس ما زالوا على تفاؤلهم، لأنهم يعتبرون أن أي مفاوضات ستشهد مدّاً وجزراً، وبالتالي فإن المفاوضات النووية لم تفشل كما يحاول البعض الإيحاء، بل تحتاج إلى مزيد من التشاور والوقت. وأمام كل هذه المعطيات، فإن الروس يعتبرون أن لبنان دخل في النفق المظلم الأسود، فلا المجتمع الدولي مهتم كثيراً بالملف اللبناني، ولا المسؤولون في الداخل حريصون على إيجاد حلول للأزمات المتراكمة، وأبرزها أزمة تأليف حكومة.
من هنا، فإن الموقف الروسي لا يزال على حاله، وهو ضرورة العمل لإيجاد تسوية داخلية لبنانية وتفاهم الأطراف المتنازعة مع بعضها البعض، خصوصاً وأن التدخلات الإقليمية والدولية ستجلب الويلات، وكل دولة لها مصالحها وأطماعها في لبنان والشرق.
لا يحبّذ الروس كثيراً تدويل الأزمة اللبنانية، وهذا الأمر ترفضه موسكو بالمطلق وتعتبره مُضرّاً بالوضع اللبناني، ولذلك هي لا تزال ترى أن الحكّام يجب ان يتفقوا على آلية حلّ تتضمن تأليف حكومة بالثوابت التي وضعتها موسكو.