الحريري حمَّل عون المسؤولية وجمهوره يقطع الطرقات ويواجه الجيش في العاصمة نهاية المهزلة… طلاق “بالثلاثة”

جانب من المواجهات التي دارت بين الجيش ومحتجين في منطقة طريق الجديدة في بيروت عقب اعتذار الحريري أمس (فضل عيتاني)

نداء الوطن

ما كان متوقعاً حصوله في يوم التكليف في 22 تشرين الأول الماضي حصل في 15 تموز. تسعة أشهر من المناكفات والمماحكات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، وبين الرئيس المكلف حتى أمس سعد الحريري انتهت إلى حيث لم يكن يجب أن تبدأ. لقد فرض الرئيس سعد الحريري نفسه مرشحاً طبيعياً في مقابلة تلفزيونية قبل أن يتم تحديد موعد الإستشارات النيابية لتسميته، وأعلن اعتذاره من القصر الجمهوري ثم راح يفسر مواقفه في مقابلة تلفزيونية. لم يعطِ الحريري مسألة التفاوض مع الرئيس عون الوقت الذي أعطاه للإعلام. ولم يعطِ الرئيس عون الفرصة للتفاوض مع الحريري. منذ البداية لم يكن يريد الحريري وأجرى الإستشارات وهو يدعو النواب لعدم اختياره ولتحمل مسؤولية هذا الإختيار. كبّل الحريري نفسه بالتزامات ترافقت مع جمع الأصوات اللازمة للفوز بالتكليف بأكثرية واضحة، وكبله رئيس الجمهورية بسلسلة مطالب تعجيزية. تلك المهمة التي بدأت مشوبة بالعيوب لم يكن مقدراً لها أن تنجح ولذلك انتهت إلى فشل تراكم على مدى تسعة أشهر.

“الله يعين البلد”، قال الرئيس سعد الحريري بعد اعتذاره. في العام 1998 عندما توجه والده الرئيس رفيق الحريري إلى قصر بعبدا ليبلغ اعتذاره للرئيس الأسبق إميل لحود، قال إنه يستودع لبنان الحبيب بين يدي الله. ثمة فارق بين اعتذار الحريري الأب واعتذار الحريري الإبن. بعد اعتذاره ذهب الرئيس رفيق الحريري إلى مواجهة مفتوحة أدت إلى فوزه بالتحالف مع وليد جنبلاط في انتخابات العام 2000 في ظل عهد الوصاية السورية، فهل يراهن الرئيس سعد الحريري على معركة انتخابات العام 2022، وما هي حظوظه في تحقيق نصر يحتاج إلى تحالفات كبيرة ضمن استراتيجية أكبر ليست متوفرة بعد؟

إعتذار الحريري يأتي في ظل انهيار كامل للدولة وللمؤسسات. وطالما أن الخطوة لا تقترن بما سيكون بعدها فهي تظل خطوة في المجهول، ستسرّع في عملية الإنهيار الأمني والمالي والإقتصادي والإجتماعي. ولعلّ السؤال الأبرز اليوم وبعده هو عمّن سيجرؤ على خوض غمار تشكيل حكومة جديدة بمعزل عن موافقة سعد الحريري، أو من دون مباركة وبركة الطائفة السنية ودار الفتوى ونادي رؤساء الحكومة السابقين. وهل يجرؤ “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” مع الرئيس عون على تكرار تجربة حكومة حسان دياب؟

أبعد من ذلك. ما هو مدى صحة المعلومات التي تحدثت عن أن السفيرتين الفرنسية والأميركية آن غريو ودوروثي شيا، قد بحثتا مع الرئيس عون في مسألة ما بعد اعتذار الرئيس الحريري مكلفتين من وزيري خارجية بلديهما؟ وهل يدخل المسعى الدولي المنسق مع السعودية في مسألة الإستفادة من اعتذار الحريري لفتح الإحتمالات أمام خيارات إنقاذية؟ وهل يسمح “حزب الله” والرئيس عون بهذا الخيار؟ الإجابة على هذه الأسئلة تقتضي معرفة متى سيحدد الرئيس عون موعد الإستشارات النيابية؟

المعلومات التي توفرت لـ”نداء الوطن” قالت إنه قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية يفترض حصول أحد الإحتمالات التالية:

• ان يتم التوافق على رئيس حكومة يحظى بأصوات عدد من الكتل النيابية.

• ان يكون هناك اتفاق على رئيس حكومة يحظى بغطاء سني وهذا الأفضل.

• العودة إلى خيار رئيس حكومة قد يفسّر انه رئيس حكومة مواجهة. وهنا المصيبة.

وفي مطلق الاحوال يبقى تصريف الأعمال سيد الموقف وبالتالي تستمر حكومة الرئيس حسان دياب في القيام بما يمكنها أن تقوم به.

الرئيس المعتذر لم يفتح الباب أمام تسهيل مهمة الرئيس عون بالدعوة إلى استشارات جديدة. في حديثه التلفزيوني أمس أعلن أنه لن يسمي أحداً لرئاسة الحكومة ولكنه لن يعطل مسألة التسمية. كلام الحريري جاء على وقع التحركات الشعبية المؤيدة له في أكثر من منطقة تخللها قطع طرقات ومواجهات مع الجيش، من كورنيش المزرعة إلى البقاع والناعمة والجية. الحريري قال إنه ذهب إلى لقاء الرئيس عون منفتحاً وقدم تشكيلة حكومية لدراستها، ولكنه اعتذر لأن عون يريد حكومة عون. وقال إن عون أبلغه أن “التيار الوطني الحر” لن يعطي الثقة للحكومة. وشكك في أن يكون “حزب الله” مارس ضغطاً كبيراً على الوزير جبران باسيل من أجل تسهيل عملية التشكيل. الحريري ظهر كأنه على خلاف مع جنبلاط وسمير جعجع بينما لم يتوانَ عن شكر نبيه بري.

وإذا كان أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أعلن أن اعتبارات اعتذار الحريري قد تكون لها عواقب وخيمة على لبنان، فإن وزير الخارجية الفرنسي اعتبر أن لبنان يشهد عملية تدمير ذاتي والطبقة السياسية تتحمل المسؤولية.

في ظل هذا الحديث المتفاقم عن الإنهيار يبدو كأن هناك قبساً من نور في مؤتمر دعم لبنان الذي أعلنت باريس أنها تحضر له في 4 آب المقبل في ذكرى تفجير مرفأ بيروت، حيث لا يزال التحقيق يدور في حلقة مفرغة بانتظار استكمال البت بمسألة رفع الحصانات التي طلبها القاضي طارق بيطار، وفي ظل استمرار إضراب نقابة المحامين. وبينما طالب الرئيس الحريري بتحقيق دولي، اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” بعد اجتماع تكتل الجمهورية القوية أن عدم رفع الحصانات جريمة بحد ذاته.

Exit mobile version