أودع الرئيس سعد الحريري اقتراح تشكيلته الحكومية لدى رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، مانحاً الأخير «مهلة» ساعات للقبول بها كما هي، او رفضها. بسلبية تامة، عبّر الحريري عن ممانعته أي نقاش في أي اسم اقترحه لأي حقيبة، رغم انه يطلب الثقة لحكومته المفترضة من قوى عيّن لها وزراءها من دون التشاور معها. أسقط الحريري جزءاً مما جرى التوافق عليه سابقاً. لكن، رغم ذلك، يبقى احتمال قبول تشكيلته قائماً، بدفع خارجيّ عبّرت عنه القاهرة التي «نصحت» الرئيس المكلّف بتأجيل اعتذاره
مصادر بعبدا أوضحت أن «تشكيلة الحريري تضمنت تغييرات كثيرة في ما يتعلق بالأسماء وتوزيع الحقائب، وهي مختلفة إلى حد كبير عن الصيغة التي أعطاها للخليلين وجرى نقاشها مع الوزير جبران باسيل». وعلمت «الأخبار» أن التغييرات طالت حقائب سيادية من بينها وزارة الخارجية التي كان مقرراً أن تكون من حصة الدروز (وليد جنبلاط)، فعادت إلى حصة المسيحيين، والداخلية التي كانت مقررة للأرثوذوكس فعادت إلى السنّة. وفيما لم تطرأ تعديلات على الحقائب الشيعية الخمس (المالية، التنمية الإدارية، السياحة (أو الثقافة) العمل، الأشغال)، أشارت مصادر مطلعة إلى أن الأسماء الشيعية التي تضمّنتها (مايا كنعان، يوسف خليل، جهاد مرتضى، عبد الله ناصر الدين وإبراهيم شحرور) لم يُتفق عليها مع حزب الله. ومن بين الأسماء التي تضمنتها اللائحة: سعادة الشامي (الاقتصاد)، انطون شديد (الدفاع)، فراس أبيض (الصحة)، فراس أبي ناصيف (الاتصالات)، فاديا كيوان (الخارجية)، كارول عياط (الطاقة) ووليد العاكوم (الداخلية).
مصادر بعبدا لفتت إلى أن «الرئيس عون تساءل أمام الحريري عمّا إذا كانَت القوى الأخرى ستقبل بهذه التوزيعة وبهذه الأسماء»، مشيرة إلى أن «بعض الأسماء جديدة، وبعضها الآخر كانَ مطروحاً، ورفضه الرئيس عون سابقاً»، مرجحة أن «التشكيلة لن تمُر». واعتبرت تحديد مهلة للرئيس للرد «إشارة سلبية وغير مألوفة»، متسائلة كيف يُمكن أن «تُدرسَ لائحة حكومية في أقل من 24 ساعة»؟
هكذا، بدا الحريري أمس كأنه ينفّذ سيناريو الاعتذار كما رُوّج له منذ أيام بحذافيره: يزور القاهرة ويتبلّغ من المصريين موقفاً مؤيداً لقراره بالاعتذار، ويعود ليرفع تشكيلة يعرف أن عون سيرفضها، فيعتذر ويُعلِن عن الأسباب في مقابلته التلفزيونية. لكن ماذا سيفعل الحريري إذا لم يتبلّغ من رئيس الجمهورية اليوم جواباً نهائياً، علماً بأن لا مهل محددة تجبر الأخير على ذلك، فهل يعتذر قبلَ الجواب؟». مقرّبون من رئيس الجمهورية رجحوا بأن عون «لن يعطي للحريري ما يريده. الأكيد أنه لن يقبَل بالتشكيلة كما هي، لكنه لن يرفضها، بل سيفتح باباً لمناقشتها، انطلاقاً من أنها قابلة للأخذ والرد». أكثر من ذلك، فإن مصادر معنية بالتأليف، رداً على سؤال لـ«الأخبار» عن احتمال القبول بالتشكيلة لاحراج الحريري الذي قال في تصريحه إنها «قادرة على وقف الانهيار»، لم تستبعد ذلك تماماً، مشيرة إلى أن هذا «احتمال قائم»!
أضف إلى ذلك أن الأجواء التي جاءت من القاهرة التي استقبلت الحريري أمس للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ألقت شكوكاً على خطوة الاعتذار، وأوحت بإمكان تعديل مجريات المسار الحكومي، ولا سيما أن الحريري «لا يستطيع تجاهل موقف القاهرة التي نبّهته من الاعتذار، لأن مصر هي آخر حاضنة عربية له»، وفي الوقت ذاته «لا يمكنه أن يخسَر سنده الوحيد في الداخِل، الرئيس نبيه برّي الذي يُعارض فكرة الاعتذار، وحاول مراراً إقناعه بالتراجع عنها».
في سياق آخر، كان موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السفير باتريك دوريل يستكمل جولته على عدد من القادة اللبنانيين وفي مقدمهم رئيس الجمهورية الذي اعتبر «أن الجهود لا تزال قائمة لتأليف حكومة جديدة تعطي أهمية أولى لتحقيق الإصلاحات ومكافحة الفساد والمضي في التدقيق المالي الجنائي». من جهته، أبدى دوريل خلال اللقاء الذي شاركت فيه السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، «حرص فرنسا على الاستمرار في دعم لبنان ومساعدته»، لافتاً إلى أن «مؤتمر الدعم الذي ينظمه الرئيس ماكرون بداية الشهر المقبل يدخل في هذا الإطار، مركزاً على أهمية الإسراع في تأليف حكومة جديدة ومباشرة الإصلاحات التي تنادي بها فرنسا والمجتمع الدولي». وشملت جولة دوريل الرئيس بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، كما سجّل لقاء بينه وبين رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد. وقد علمت «الأخبار» أن «جو اللقاء كانَ ودياً جداً»، وتناول «الى جانب رغبة فرنسا في مساعدة لبنان، العلاقات بين باريس وحزب الله»، وقد طلب دوريل رسمياً أن «يواصل حزب الله مساعيه للإسراع في تشكيل الحكومة».