ناصر قنديل-البناء
– اللقاء الذي سيجمع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ربما يكون اللقاء الأخير الذي يسبق مرحلة يتوّجها اعتذار الرئيس الحريري، وربما الانتقال الى استعصاء جديد عنوانه تسمية رئيس مكلّف يشكل حكومة جديدة، قبل الانتخابات النيابية، وفيما يشحذ مؤيّدو كل من الرئيسين سكاكينهم لإعداد حملات التأييد الإعلامية الهادفة لرفع مسؤولية الفشل عن أحد الرئيسين، وقد قال كل منهما ما يكفي للوم الآخر وتحميله مسؤولية التعطيل، ينطرح السؤال عما إذا كان بمستطاع أحدهما من موقع التسليم بمآخذه على الآخر، أن يحبط التعطيل ويحوّل التحدي الى فرصة؟
– القضية معلومة وهي إنجاز تشكيلة حكومية يتمسك كل من الرئيسين، بقواعد وأسس تترجم أسماء لوزراء في حقائب، من ضمن حكومة تم حسم أكثر من ثلاثة أرباعها بالتوافق، وبقي ربعها الأخير ينتظر توافقاً يبدو مستحيلاً بتمسك كل من الرئيسين بمنطلقاته في مقاربتها، ووفقاً لما يقوله مؤيدو رئيس الجمهورية، فهم يعتقدون أن سبب موقف الحريري هو عجزه عن السير بتشكيل حكومة، لا يملك الضوء الأخضر السعودي لتشكيلها، ما يعني في حسابهم أنه حتى لو قام رئيس الجمهورية بتقديم تنازلات عن منطلقاته في مقاربة ملف التأليف، فإن الحريري لن يجرؤ على المضي بالتشكيل، وهذا يعطي مبرراً للتساؤل عما إذا كانت ثمّة طريقة لإحراج الرئيس المكلف لوضعه بين خياري ترؤس حكومة رغماً عن رغبته، أو الاعتذار بصورة تبدو مكشوفة كترجمة للعجز لا قدرة له على رمي مسؤوليته على عاتق رئيس الجمهورية، فماذا يستطيع رئيس الجمهورية أن يفعل لهذه الغاية؟
– ثمة قضيتان يخشاهما رئيس الجمهورية وفريقه من نتائج تسهيل ولادة حكومة بقبول ما تبقى من شروط الرئيس المكلف، الأولى أن يتم تكريس عرف يعدل توازنات العلاقة بين الرئاسات ومن تمثل طائفياً، والثانية أن يستعمل الرئيس الحريري هذه التوازنات الناتجة عن حصوله على مكاسب حكومية للتصرف بالحكومة بصورة تأخذ البلد في قضايا مصيريّة بصورة يعتقد رئيس الجمهورية وفريقه أن منعها يستحق الثبات عند الحؤول بين الحريري وما يريد. والسؤال ماذا لو طلب رئيس الجمهورية وفريقه من حزب الله ضمانة استقالة وزرائه مع وزراء الفريق الرئاسيّ عند أول إشارة جدية لخطر انحراف الحكومة عن مسار الحد الأدنى المقبول، والتضامن معاً في تسمية البديل بعد استقالة الحكومة، التي تصبح تحصيل حاصل باستقالة أكثر من ثلث وزرائها، الذي يكفي أن يستقيل وزراء الفريق الرئاسيّ ووزراء حزب الله ليتحقق؟ وماذا لو أرفق رئيس الجمهورية بتوقيعه على مراسيم الحكومة رسالة يوجهها إلى المجلس النيابي، يثبت خلالها الأعراف التي لا يريد لها أن تخترق، ويؤكد أن موافقته على هذه الحكومة لا يجوز أن تشكل سابقة، وهي تنازل مسؤول بخلفية وطنية خالصة في ظرف شديد التعقيد لا يجوز أن يبنى على آلية تأليفها أي عرف جديد؟
– سيربح رئيس الجمهورية وفريقه خمس مرات إن فعلوا ذلك، فإذا سار الحريري بالحكومة يكون الفريق الرئاسي قد حقق مكسباً وطنياً كبيراً بتقدّمه كفريق يضحّي لحساب الوطن، وثانياً يكون قد ملأ يده بما يضمن تفادي النتائج الضارة أو المقلقة من ولادة الحكومة بشروط لا تطابق رؤيته لكيفية تأليفها، وثالثاً سيكون إذا سار الحريري نحو الاعتذار رغم ذلك، قد جعل اعتذاره مكشوفاً كتعبير عن العجز لأسباب غير لبنانية، وسيصعب على الحريري عندها توظيف الاعتذار لتحميل رئيس الجمهورية مسؤولية تعطيل ولادة حكومة يحتاجها لبنان واللبنانيون، ورابعاً، سيكون الفريق الرئاسي قد ضمن مشاركة حزب الله معه في السعي لبديل في رئاسة الحكومة، وخامساً سيكون الفريق الرئاسي قد تخلص من تكليف الحريري بأقل الخسائر سياسياً ودستورياً.
– بالمقابل يعتقد الرئيس الحريري وفريقه أنه إذا تنازل بقبول ما تبقى من مطالب رئيس الجمهورية، فهو يمنحه الثلث المعطل بطريقة تؤدي لشل الحكومة، والتهديد الدائم بإسقاطها، إضافة لتكريس سابقة يعتقد أنها تناقض الأصول التي يعتقد أنها ما يجب اعتماده في تأليف الحكومات، والسؤال الموازي للرئيس الحريري وفريقه، هو ماذا لو صارح الرئيس الحريري رئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنه إذا قدّم تنازلاً يسهل ولادة الحكومة، وتم استخدامه لفرض توازنات تؤدي لشلل حكومي، فهو سيكون مضطراً عندها للاستقالة، ولكنه يحتاج الى ضمانة الرئيس بري بأنه سيلتزم معه بإعادة تسميته رئيساً مكلفاً، وفي هذه الحالة سيتحدث في كلمته لطلب الثقة شارحاً ظروف التنازلات التي قبلها لمصلحة الوطن، وتحذيره من سوء استخدامها كي لا بجد نفسه مضطراً لاستقالة، رافضاً أن يتحوّل هذا التنازل الى سابقة يبنى عليها لاحقاً، فهو كما وصف بنفسه قبوله بتخصيص وزارة المالية للطائفة الشيعية، ليست عرفاً بل تسهيل لمرة واحدة. وفي هذه الحالة سيكون الحريري قد كسب خمس مرات هو الآخر، مرة باستيلاد حكومة يشكل وجودها حكماً فرصة أفضل من حالة اللا حكومة، ومرة ثانية بالظهور بمظهر رجل الدولة، ومرة ثالثة بضمان أن استقالته ستجعله رئيساً مكلفاً مجدداً، بالإضافة لرئاسة حكومة تقوم بتصريف الأعمال، ويمكنه البقاء بهاتين الصفتين حتى الانتخابات النيابية، ومرة رابعة بنفي كل ما قيل عن أن أسباب عدم تأليف الحكومة عائدة للفيتو السعوديّ على الحريري، ومرة خامسة بأنه منع تسويق التنازل والمرونة كسابقة وعرف يخشى تكريسهما.
– لا مشكلة لدى حزب الله في تقديم ضمانته إذا طلبها رئيس الجمهورية، ولا مشكلة لدى الرئيس بري إذا طلبها الرئيس المكلّف، فهل يفاجئنا أحدهما بمبادرة تُحرج الآخر وتدفع البلد خطوة إلى الأمام بدلاً من تقاذف كرة التعطيل وتبادل الاتهامات بالمسؤولية؟