الأخبار- أيهم مرعي
افتتحت العمليات الخمس التي طاولت قواعد لـ«التحالف الدولي» بقيادة واشنطن في سوريا، مرحلة جديدة عنوانها تصعيد الضغوط على الولايات المتحدة الأميركية لتغيير سياساتها تجاه الملفّ السوري، وإنهاء احتلالها لمناطق واسعة في شرق الفرات. ضغوطٌ يبدو أن واشنطن بدأت تستشعر خطورتها بالفعل، وفق ما تنبئ به تحرّكاتها الأخيرة في شرق الفرات، والتي شملت رفع مستوى الجاهزية واستقدام تعزيزات من العراق، في محاولة لتحصين قواعدها ريثما تتبلور لديها رؤية لكيفية التعامل مع هذه التطورات
ومن المفهوم عدم تبنّي دمشق أو حلفائها للهجمات الأخيرة، في ما يبدو محاولة لحرمان واشنطن من أيّ ذرائع للردّ، وللقول إن ما يجري، وإن كان يُنفّذ من أراضٍ خاضعة لسيطرة الحكومة، إلّا أنه يتمّ عبر مجموعات شعبية غير رسمية. مع ذلك، تملك دمشق تبريراً منطقياً لتلك العمليات المحدودة، انطلاقاً من كون الأخيرة تعبيراً عن رفض شعبي للاحتلال الأميركي المباشر، وللضغوطات الاقتصادية الأميركية على الشعب السوري، وللعمل المنظّم على نهب ثرواته من نفط وقمح. ولعلّ تشابه الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا، مع نظيراتها في العراق، يعطي تصوّراً واضحاً حول ما يحصل، لناحية أنه يتمّ بتنسيق بين قوى محور المقاومة لخلق معادلة جديدة على الأرض، تكون كفيلة بزعزعة الوجود الأميركي في المنطقة، سواءً في سوريا أو العراق. والظاهر أن واشنطن بدأت تستشعر خطر العمليات المتصاعدة ضدّها هناك، إذ إنها بدأت منذ أيام تعزيز وجودها ورفع جاهزيتها العسكرية لتدارك الخطر المحدق بها، فيما لوحظت زيادة عدد المنظموعات الدفاعية الجوية بهدف التصدّي للصواريخ والطائرات المسيّرة المفخّخة. كما استقدمت القوات الأميركية تعزيزات عسكرية إضافية من العراق، غالبيتها عبارة عن شاحنات تحمل ذخائر وآليات، شوهد عبور أكثر من 50 منها وعلى متنها معدّات وذخائر وأسلحة حدود، منذ بداية الهجمات على القواعد الأميركية في المنطقة منذ نحو أسبوعين.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر ميدانية، لـ”الأخبار”، أن “القواعد الأميركية تشهد إرباكاً شديداً نتيجة خشية الجنود الأميركيين من تجدّد الهجمات الصاروخية عليهم في أيّ لحظة”، لافتة إلى أن “الهجمات ولّدت ضغطاً نفسياً كبيراً على الجنود الذين يتعرّضون لأوّل مرّة لمثل هكذا هجمات منذ بدء التواجد الأميركي في سوريا في عام 2015″، مضيفة أن “هذا الخوف دفعهم إلى شنّ حملات تمشيط ومداهمة لعدّة قرى محيطة بالقواعد، خشية من وجود قواعد صواريخ أو خلايا تستهدفهم انطلاقاً من هذه المناطق”. وتعتبر المصادر أن “عدم ردّ واشنطن على الهجمات يؤكد إدراكها أن أيّ هجوم جديد على الجيش السوري وحلفائه، سيلقى رداً حتمياً، ويدفع الأمور نحو تصعيد ميداني خطير”. بدورها، ترى مصادر سياسية مطّلعة على واقع المنطقة، في حديث إلى “الأخبار”، أن “ما يحصل يمهّد لتحوّلات سياسية وميدانية سيشهدها الملفّ السوري، تنفيذاً لاتفاقات أوّلية روسية – أميركية”، موضحة أن “نجاح التنسيق بين الطرفين في ملفّ المعابر يمهّد الطريق لإنجاز تفاهمات جديدة على الأرض، تراعي الواقع الميداني الجديد الذي فرضته الهجمات الأخيرة على القواعد الأميركية”. وتشير المصادر إلى أن “تكثيف استهداف القواعد الأميركية يهدف إلى رفع الضغط على واشنطن لدفعها إلى تخفيف الضغط الاقتصادي، والقبول بفكرة حق الدولة السورية في فرض سيادتها على أراضيها”، مُتوقّعة أن “تتّخذ واشنطن خطوات تُخفّف من مستوى العقوبات ضدّ دمشق في الفترة القادمة، لتشجيعها على الانفتاح على حلّ سياسي يضمن تمثيلاً للمعارضة السورية في الحياة السياسية في البلاد”.
من جهتها، تدرك “قسد” أنها ستكون المتضرّر الأكبر من أيّ انسحاب أميركي من الأراضي السورية، ولذا فهي سارعت إلى الترحيب بالدعوة الروسية للحوار مع دمشق، مع نفي فكرة وجود أيّ مقاومة شعبية للوجود الأميركي، واتهام خلايا “داعش” بالوقوف خلف الهجمات ضدّ الأميركيين. وهو ما جاء، مثلاً، على لسان مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، فرهاد شامي، الذي رجّح، في تصريحات إعلامية، “وقوف خلايا داعش وراء استهداف قواعد التحالف الدولي”، مشيراً إلى أن “قوّاتهم نفذت حملة تمشيط في منطقة العزبة بحثاً عن مشتبه فيهم بالوقوف وراء الحادثة”، في إشارة إلى الهجوم الصاروخي على معمل غاز كونيكو، فجر الأحد. والظاهر أن “قسد” تريد، من وراء الترويج لمسؤولية “داعش” عن العمليات الأخيرة، ضمان دعم غربي وأميركي إضافي لقوّاتها في المنطقة، وإقناع الأميركيين بالبقاء أطول فترة ممكنة لمنع أيّ تحركات جديدة للتنظيم. لكنّ استمرار عمليات الاستهداف العسكري للوجود الأميركي في سوريا، مع احتمال تطويرها وتزخيمها، كل ذلك يضع شرق الفرات أمام سيناريوَين اثنين: انسحاب أميركي تدريجي من المنطقة، أو استقدام أعداد إضافية من الجنود مع تعزيزات عسكرية جديدة، لمواجهة التهديد المتنامي هناك. ووفق المؤشّرات، فإن واشنطن لا ترى حتى الآن في الملفّ السوري أولوية، وهي في صدد إعادة تشكيل سياستها في هذا البلد بما يكفل تفادي حالة الاشتباك وتقليل الخسائر إلى الحدّ الأدنى، وهو ما يجعل الفرضية الأولى الأكثر ترجيحاً، لكن من دون التمكّن من التنبّؤ بتوقيت الانسحاب وشكله.